أ. إسماعيل حامد إسماعيل علي
لعبت القبـائلُ العربيةُ دوراً كبيراً في كل من مصر وبلاد النوبة، وفي غيرهما من البلاد التي فتحها المسلمون، لاسيما ما قامت به تلك القبائل لنشر الـدين الإسلام، والثقـافة العربية. وكانت سياسة الـدولة الإسلامية، في بداية نشأتهـا، تهدف إلى تشجيع القبائل العربية وبطونها علي الهجرة إلى تلك البقاع التى فتحهـا المسلمون، ومن ثم الاستقرار بها، حتى تنصهر هذه الجماعـات العربية الـوافدة من “جزيرة العرب” مع الشعوب التى تقطن هذه البلاد، وكانوا يعتنقون إما المسيحية، أو بعض المعتقدات الـوثنية والأرواحية، وهو ما أتاح الفرصة لتلك الشعوب أن تتعرف عن كَثَب على الدين الإسلامي، وما يدعو إليه من أخلاق، ومبادىء سامية تَطيبُ لها القلوب.
وتُعد قبيلة جُهينة من أكثر القبـائل العربية التي تركت أثراً حضارياً كبيراً، سواءكان ثقافياً، أم إجتماعياً، أم إقتصادياً خاصةً دورها في تعريب مصر وبلاد النوبة منذ أن فتح العرب مصر سنة (21هـ/641م). وهذا هو الموضوع الرئيس الـذي تحاول هذه الأُطروحة مناقشته، والبحث فيه من شتي الجوانب الحضارية التى ارتبطت بوجود قبيلة جُهينة فى تلك البلاد. ويمكن القولُ بأنه منذ “الفتح العربـي”، وهجرات قبيلة جُهينة إلى وادي النيل الأوسط تكـاد لا تتوقف، إذ كانت جماعاتهم تأتـي من جزيرة العرب بحثـاً عن مستقر جديد لها في هذه البلاد، وكذلك سعياً وراء أسباب الـرزق، إذ ذاعت بين العرب الأخبـارُ التى تتحدث عن شُهرة أرض البجة بالمعادن النفيسة.
ومن ثم كـانت هذه البلاد مقصداً للعديد من الهجرات العربية، سواءاً تلك القبائل التي تنتمي لـ”قبائل عدنـان” وهم “عرب الحجـاز”، أم تلك التي تنتمي لـ”قبائل قحطـان” وهم “عرب اليمن”. وقد دفعت الظروف السـياسية وكذلك الاقتصادية العديد من بطون قبيلة جُهينة إلى البحث عن موطن لها فـي الصعيد بعد الفتح العربـي، ومن ثم انتشروا هناك حتى صـارت القبيلة الكبرى بالصعيد. كما كان عرب جُهينة من أكثر من ساهم من بين الجماعـات العربية في إزدهـار وعمران بلاد البجة.
وبمرو الزمن، اتجه أعداد كبيرة من عرب جُهينة إلى بلاد النوبة قـادمين من مدن الصعيد بمصر خاصة إبان عصر “دولة المماليك” (648- 923هـ/1250-1517م)، ثم توغلت جماعات منهم في هذه البلاد، ولعبوا دوراً كبيراً في سقوط ممالـك النوبة المسيحية، خاصة مملكة علوة، وساهموا في نشر العروبة والإسلام في هذه البلاد.