الحراك، الحكومة، القادة والأزمة في الجزائر

www.elsiyasa-online.com
الحراك، الحكومة، القادة والأزمة في الجزائر

سليم جداي

اثبت الشعب الجزائري على مر الازمنة القديمة والمعاصرة،انه شعب ذو ميزات لاتتوفر في الشعوب الشقيقة الأخرى، وذلك من خلال الأزمات التي مر بها واستطاع، بتجلده، وتلاحمه أن يتجاوزها، أولها الاستعمار الفرنسي واخرها، فترة الارهاب او مايعرف
(بالعشرية السوداء)، والتي كان فيها الشعب مثل الجسد الواحد، في اخلاصه، وتوجهه،وصلابته، واستطاع بذلك أن يكون قدوة يقتدى بها بين الأمم،وقد نهض الشعب في الجزائر ضد نظام فاسد، فاشل، وصل الي حالة الانسداد، والتفتت كاد يأخذ البلاد إلى مالا يحسن عقباه، لكن هذا الشعب بحكمته وحنكته وتلاحمه نهض وناهض هذا الاستبداد والتسلط الذي كاد يذهب بمستقبله الي مهب الريح، في 22 فيفري كان بمثابة يوم نهوض شعبي مبارك عظيم، اما بالنسبة للنظام او الحكومة فكان بمثابة نهاية مؤلمة وخروج ضيق، وتوقف تاريخ، لنظام حاول استغلال ثروات الشعب الي ثروات شخصية، تستعمل في قضاء المصالح الخاصة والضيقة، مما جعل هذا الحراك عبارة عن مسلك سلمي ممنهج، ازعج أطراف النظام والحكومة، مما ادي بها الي اختلاق الاعذار، والحلول المغلقة، والخطابات السياسية الركيكة والرديئة، والتي فحواها التهديد والتنديد ، والخوف من ماجري في فترات سابقة من تاريخ الجزائر المجيد، فمن الناحية الأولى نرى ان الحراك خرج بعفوية وصدق، وتماسك في المطالب والتوجهات بعيداً عن الجهويات
والنرجسيات، فكان طلبه الوحيد هو تغيير النظام بشكل كامل،لايقبل التجزئة،ولا التفاوض ولا الحوار، لكن النظام حاول التماطل والتلاعب بمطالب الشعب، مما ادي الي تازيم الوضع، ومحاولة تطويق وتحويط اليات الحراك الشعبي العفوي الذي خرج رادعا
لفساد عميق وطويل مس جميع المجالات الحيوية للدولة الجزائرية، في نفس الوقت كانت المؤسسة العسكرية في حالة مراقبة وصمت وتحليل للأوضاع الراهنة للازمة، مما حتم عليها الوقوف بجانب الشعب ضد الحكومة الظالمة الفاسدة، واقالتها وفتح كل



دفاترها وهذا ما اقلق بعض الاطراف الداخلية والخارجية او مايعرف بحراس التخلف في الجزائر، فقرارات الحكومة كانت عبارة عن قرارات اعتباطية، لا تصل للواقع ولا للشعب بشئ من الصحة او العقل، والمصداقية، اما قرارات قيادة الجيش والتي تعتبر
قرارات المؤسسة العسكرية ككل فقد كانت قرارات موضوعية كلها او جلها يصب في مصلحة الجزائر، والجزائريين، اولها فتح ملفات الحساب واخرها الحوار البنائ، بما يفرز انتخابات شفافة تضمن حرية إبداء الرأي والاختيار، وكل هذا يأتي ضمن هيئة
مستقلة ومستحدثة لتنظيم ومراقبة الانتخابات، أي ان المؤسسة العسكرية حاولت ادارة الازمة بشقها الغير تنافسي (نظريات ادارة الصراع الجزئية)،غير ان الشعب كان بين مؤيد ومعارض او متخوف من ماحدث في بلدان شقيقة وهذا راجع لعدم الثقة بين الحاكم
والمحكوم أي أن هناك خللا في العقد الاجتماعي المبرم سالفا،فالشعب يريد المرحلة الانتقالية لأنها الاضمن و الأنجع، لكنه يتجاهل الفواعل الخارجية وتأثيراتها علي هذه المرحلة، وذلك بغلاف الامن والاستقرار واقتسام الغنيمة وفرض العقوبات الاقتصادية،
والاملائات السياسية، بزعم الاصلاحات، ونشر الديمقراطية او دعمها بالتدخل الخارجي اذا اقتضى الأمر،فتمسك المؤسسة العسكرية بالدستور خير دليل علي تخوفها من حدوث فوضي خلاقة او مايعرف بالانزلاق الامني، والتوترات علي الصعيد الداخلي
والخارجي، وهذا مايعرف بادارة وتسيير الازمة وتثبيط الثورات المضادة، حيث ان المؤسسة العسكرية عملت علي تحديد وتحديث حيثيات الازمة، واقتراح الحلول الدستورية،والتي يراها الشعب انها تخدم الحكومة أكثر مما تخدم مصالح الشعب، غير ان مساوئ الدستور الجزائري، احسن وأنجع من الخروج عنه والذهاب والتيه فيما يعرف بالنفق المظلم وهو الفراغ الدستوري، والتي لا تحمد عقباه، وهو مالاحظناه في عدة دول شقيقة، لان سيادة الشعب لاتكون الا بالانتخاب، كما لا نخفي علما ان التحول الديمقراطي لا يكون بين ليلة وضحاها بل وجب الانصياع الي اليات الديمقراطية الشفافة والتي لا تتحقق الا بالانتخابات او الاستفتاء، وهما الشيئان الوحيدان اللذان يخرجان الجزائر من الازمة دولة وسيادة وشعبا،فالجزائر فوق كل كل اعتبار،فالحكومة تريد التنازلات الجذرية وهو مايمكنها ويقيها ويبقيها في الحكم لمدة اطول فهيا تحاول استخدام الشق الغير تنافسي في ادارة الصراع اي ان ارباح المنافس( à) وهو الشعب يقابله خسائر (b)وهي الحكومة ولكن ليست خسائر كاملة بل خسارة رمزية اي ليست خسارة صفرية، اما الشعب فهو يريد الصراع تنافسي اي ان ارباح( à) وهو الشعب يقابله خسائر( b) كاملة غير منقوصة وهي تمثل الحكومة وهنا الخسارة صفرية اي انها لا تحدث عادتا في الصراعات والنزاعات الداخلية، لان الشق التنافسي في الصراعات وخاصة الداخلية تؤدي عادتا وفي اغلب الاحيان الي نشوب حروب اهلية، او تدخلات خارجية وهذا ما جعل من قيادة الجيش والتي تمثل المؤسسة العسكرية، الي اقتراح حلول لينة ومحاولة محورة، واختزال مطالب الشعب، والذهاب الي تنازلات تدريجية، تؤدي في فحواها مخرجاتها الي تلبية مطالب الشعب كاملة.
غير ان هناك من يشكك في دور المؤسسة العسكرية، ويري انها عبارة عن تمويهات وفقط، هدفها هو تغطية النظام، واعادة خلقه من جديد الثورة المضادة ،وهذا ما جعلها لا تقبل اي حل او اقتراح، وتريد التغيير الكامل، وفي وقت وجيز وقصير، يعني انهم
يريدون الذهاب الي مرحلة انتقالية خارج الدستور، وهذا ما ترفضه المؤسسة العسكرية جملة وتفصيلا، لانها تري في هذه الفترات الانتقالية، مخاطرة بمستقبل الجزائر، ومجازفة بمؤسسات الدولة وهو الشكل الموضوعي لحلحلة الازمة في نطاق دستوري، لان الدستور الجزائري في الوقت الراهن ومهما كثرت مساوئه وعيوبه التي رأيناها ووعيناها الا انه الحصن المنيع للدولة من الداخل، والحاوي الساتر لها من الخارج اي من تدخل الفواعل والقوي الخارجية بحجة الامن والسلم، ونشر الديمقراطية، وحقوق الانسان لذي فاستراتيجية المؤسسة العسكرية مدروسة علي اساس دستوري محض، وكذلك علي اساس موضوعي، قوامه مصلحة الجزائر كدولة وسيادة وشعب، لان التمسك الشديد للمؤسسة بالدستور رغم هشاشته دليل واضح علي فكر بناء وموضوعي مخرجاته المحافظة كذلك علي هيبة مؤسسات الدولة، وحمايتها من الهشاشة، والتخوف من اي انزلاق امني سواءا فيالداخل او الخارج، وهو مايحدث الفوضي الخلاقة، التي بدورها ستدخل البلاد في متاهة الازمات المتتالية، والتي لا تحمد عواقبها وأخواتها، والخاسر الوحيد هنا هي الجزائر كدولة وسيادة بين الدول، فيجب علي الشعب الجزائري، الاستناد علي المؤسسة العسكرية ومراقبة قراراتها والضغط عليها حتي يتم تحقيق جميع المطالب بشكل تدريجي ومدستر، لان من تعجل الشئ قبل اوانه عوقب بحرمانه، ولذلك نحن نذهب الي ماقاله عثمان بن عفان إلزموا جماعتكم لاتصيروا أحزاباً وكما قال في اخر خطبة له :
(إن الله أعطاكم الدنيا لتطلبوا بها الأخرة ، ولم يعطكموها لتركنوا إليها، إن الدنيا تفنى والأخرة تبقى، لاتبطرنكم الفانية، ولا تشغلنكم
عن الباقية، وآثروا ما يبقى على ما ينفى، فإن الدنيا منقطعة وإن المصير إلى الله، اتقوا الله فإن تقواه جنة من بأسه، ووسيلة عنده،
واحذروا من الله الغِير، وألزمو جمــــــــــــــــــاعتكم ولا تصـــــــــيروا أحزاباً.
(وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إخوانا))، وهنا وجب التفريق بين التحزب السياسي والتحزب الأيديولوجي، لذي وجب الحرس علي تماسك الامة الجزائرية كشعب واحد وامة واحدة، ولها هدف واحد، وتوجهات
واحدة،كما ان الشعب ملزم بالتمسك بالمؤسسة العسكرية حتي يثبت العكس، لان التكهنات والاستشارافات ومهاجمة المؤسسة العسكرية لاتخدم الشعب بل تزيد من طينة ازمته، لكن وجب علينا الحذر والتماشي مع معطيات الازمة واقتراحات المؤسسة
العسكرية وبها نكون قد وفقنا بين مطالبنا، ومستحقاتنا. الموضوعية والتي تخدم الشعب والدولة وهي الذهاب الي انتخابات شفافة ونزيهة يستطيع الشعب من خلالها، اختيار الاصلح والاجدر لقيادة الجزائر الي شاطئ الحرية والامان. اما التخوين واضعاف الجيش هو لا يخدم الجزائر ولا الشعب، بل يزيد من فرض الاطماع الخارجية، وجعلها لقمة سائغة لدول الخارج، فالجزائر لها اعدائها والتاريخ يشهد لها، فالاحتكام الي لغة العقل هي البديل الوحيد للخروج من الازمة، كما ان الطاعة العمياء لمؤسسة الجيش لا تخدم مطالب الشعب بل يجب ان نجعل القاسم المشترك بيننا هو الجزائر ونعلم ان الجيش ومهما كان فنحن لا نستطيع التقليل من وطنيته وولائه للوطن، فالمؤسسة العسكرية ومهما كانت دكتاتورية فستكون ارحم علينا من الدول الخارجية في مقدمتها فرنسا وهي بالدرجة الاولي العدو الاول والتاريخي للوطن والسيادة والشعب.



تعليقات