استراتيجية حلف الناتو للحفاظ على أمن الطاقة .. بين خبرات الماضي ومستجدات الحاضر

www.elsiyasa-online.com
استراتيجية حلف الناتو للحفاظ على أمن الطاقة .. بين خبرات الماضي ومستجدات الحاضر

د. أشرف محمد كشك

كانت -ولا تزال- تهديدات أمن الطاقة أحد أهم القضايا التي تستحوذ على جل اهتمامات كل الدول والمنظمات الدفاعية ومن بينها حلف شمال الأطلسي «الناتو»، تلك القضية التي ربما لم يكن لدى الحلف اهتمام بها إبان الحرب الباردة إلا أن البيانين الختاميين للحلف في قمتي ريجا 2006 وبوخارست 2008 قد تضمنا وللمرة الأولى الإشارة إلى مخاوف الحلف بشأن تأمين الطاقة لدوله الأعضاء وذلك على خلفية أزمة الغاز بين أوكرانيا وروسيا عام 2006. ثم تلا ذلك نص المفهوم الاستراتيجي الصادر عن حلف الناتو عام 2010 صراحة على رؤية الحلف لتهديدات أمن الطاقة والتي من بينها أن «إمدادات الطاقة ستظل عرضة بصورة متزايدة لخطر التعطيل» ومن ثم فإنه يتعين على الحلف «تطوير القدرة على الإسهام في ضمان أمن الطاقة بما في ذلك حماية البنى التحتية الحيوية للطاقة ومناطق عبورها وخطوط إمداداتها، بالإضافة إلى التعاون مع الشركاء وعقد مشاورات بين دول الحلف على أساس التقييمات الاستراتيجية والتخطيط للحالات الطارئة».



ومع أهمية ما سبق يثار تساؤل محوري مهم مؤداه؛ هل تكفي تلك الاستراتيجية لمواجهة المخاطر التي تواجه أمن الطاقة في الوقت الراهن؟ أخذًا في الاعتبار مؤشرين مهمين للغاية المؤشر الأول: أنه ضمن حالات انقطاع الطاقة في العالم والتي بلغت 17 حالة استحوذت منطقة الشرق الأوسط- والتي يحظى فيها حلف الناتو بشراكات استراتيجية مهمة - على النصيب الأكبر من تلك الانقطاعات بإجمالي 14 حالة والثاني: أن تهديدات الطاقة قد تجاوزت الإرهاب التقليدي، فوفقًا لدراسة صدرت في عام 2017 عن شركة سيمنز الألمانية وشملت مديرين تنفيذيين في قطاع النفط والغاز في منطقة الشرق الأوسط تضمنت عدة نتائج منها أن 50% من إجمالي الهجمات السيبرانية في منطقة الشرق الأوسط تستهدف قطاعي النفط والغاز بما يعنيه ذلك من أن المنشآت النفطية التي تعتمد على التكنولوجيا الحديثة لم تعد في مأمن من مخاطر الإرهاب الإلكتروني. 
ومع أن حلف الناتو بدأ في صياغة استراتيجية متكاملة للحفاظ على أمن الطاقة عام 2008 ذات ركائز ثلاث تتمثل في زيادة مستوى الوعي الاستراتيجي بشأن التطورات التي يشهدها مجال الطاقة، والإسهام الفعلي للحلف في حماية البنية التحتية الحيوية في قطاع الطاقة وتعزيز كفاءة استخدام الطاقة في المجالات العسكرية فإن ما يعنينا هو دور الحلف للحفاظ على أمن الطاقة للشركاء في منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي، والتي تمت ترجمتها في إيجاد مؤسسات ضمن هيكل الحلف تعنى بأمن الطاقة ابتداءً باستحداث قسم التحديات الأمنية الناشئة في هيكل الحلف ومن بينها أمن الطاقة، ومرورًا بتأسيس مركز «تميز» لأمن الطاقة عام 2012 وانتهاء بإقرار وزراء دفاع الحلف تعديلات على هيكل قيادة الحلف ومنها إنشاء قيادة تختص بحماية الخطوط البحرية عبر المحيط الأطلسي عام 2017. كما أن المتتبع لجميع التصريحات الرسمية لمسؤولي الحلف يجد أن الحفاظ على أمن الطاقة كان - ولا يزال - قضية محورية لدى دوله، بمعنى آخر أنه لدى دول الحلف ما يمكن تسميته «بالخطوط الحمراء» التي لن يسمح الحلف بتجاوزها لتهديد أمن الطاقة في ظل اعتماد غالبية دول الحلف على استيراد النفط من خارج أراضيها، ولعل تدخل دول الحلف الرئيسية عسكريا بشكل فردي وليس من خلال الحلف كمنظمة للحفاظ على أمن الطاقة خلال الحرب العراقية-الإيرانية في حقبة الثمانينيات وخلال حرب تحرير دولة الكويت عام 1991 يؤكد ذلك الأمر، ولكن لا يعني ما سبق أن استراتيجية حلف الناتو للحفاظ على أمن الطاقة سوف تظل مرتهنة بحدوث تهديدات مماثلة لهاتين الحربين، إذ تدل سياسات الحلف على أن له دورا في مواجهة تهديدات أمن الطاقة ولكن ضمن إطار جماعي وهو ما يتمثل في مشاركة حلف الناتو في الجهود الدولية لمكافحة القرصنة في المحيط الهندي منذ عام 2008 وحتى الآن بما يعنيه ذلك من الإسهام في حماية الممرات البحرية الحيوية التي يمر خلالها النفط، وقرار الحلف الانضمام إلى التحالف الدولي لمحاربة داعش في عام 2017. وتدريب قوات الأمن في بعض الدول التي لديها شراكة استراتيجية مع الحلف من أجل تعزيز قدراتها لمواجهة الجماعات الإرهابية المسلحة التي تستهدف منابع وطرق مرور النفط. 
ومع أهمية تلك الاستراتيجيات التي تعبر عنها الشراكات الإقليمية التي أطلقها الحلف في أعقاب انتهاء حقبة الحرب الباردة أتصور أن مستجدات الأمن الإقليمي الراهنة سوف تجعل حلف الناتو معنيا بشكل أكثر بأمن الطاقة انطلاقًا من ثلاث مستجدات الأول: زيادة وتيرة التهديدات التي تواجه الممرات الحيوية لنقل النفط وخاصة مضيقي هرمز وباب المندب ووجود سفن عملاقة للحلف بالقرب من الأخير ضمن جهود مكافحة القرصنة قبالة سواحل الصومال وخليج عدن وفي ظل وجود توجهات أمريكية للحد من الوجود الأمريكي في الصومال ونية الولايات المتحدة الانسحاب من سوريا فإن ذلك سوف يعزز من دور الحلف ليس فقط بالنسبة إلى أمن الطاقة بل تجاه مجمل تحديات الأمن الإقليمي، والثاني: في ظل حرص حلف الناتو على مأسسة شراكاته الإقليمية ومن ذلك تأسيس الحلف المركز الإقليمي لمبادرة اسطنبول في الكويت عام 2007 فإنه سيكون الآلية الرئيسية التي يمكن من خلالها لدول الخليج أعضاء المبادرة الاستفادة من استراتيجيات الحلف لضمان أمن الطاقة، والثالث: أنه في ظل الاهتمام البالغ الذي يوليه الحلف لتطوير قواته البحرية فإن ذلك يلتقي مع توجه دول الخليج التي قطعت شوطًا مهما في هذا الشأن ليس أقلها خبراتها في مجموعات التحالف الدولي العسكرية بشكل دوري والتي تضم عددا كبيرا من الدول وتتمثل تلك القوات في المجموعات (150- 151- 152) والمعنية بمواجهة التهديدات المختلفة التي تواجه أمن الخليج العربي وهو ما يؤهلها للعمل مع الحلف ضمن جهود الحفاظ على أمن الطاقة والأمن البحري عموما.
تعليقات