أمن الطاقة.. بين الجهود الخليجية والمسؤولية الدولية

www.elsiyasa-online.com
أمن الطاقة.. بين الجهود الخليجية والمسؤولية الدولية


د. أشرف محمد كشك

كان- ولايزال- هدف تأمين الإمدادات النفطية من الدول المنتجة إلى نظيرتها المستهلكة للنفط أحد أهم الأهداف التي لم تخل منها استراتيجيات الأمن القومي لأي من الدول الغربية التي تضمنت أن أي عرقلة لتلك الإمدادات يعتبر خطًا أحمر بالنسبة إلى الأمن القومي لتلك الدول وتعكس الأزمات الإقليمية تلك الحقيقة وبوضوح ابتداءً بالحرب العراقية-الإيرانية التي حاولت فيها إيران استهداف ناقلات النفط الخليجية التي قامت برفع أعلام الدول الغربية طلبًا لحمايتها، فقد قامت بمهاجمة 411 سفينة منها 239 ناقلة نفط ومرورًا بقيادة الولايات المتحدة تحالفًا دوليا عام 1991 لتحرير دولة الكويت من الغزو العراقي ووصولاً إلى تدخل حلف الناتو في الأزمة الليبية عام 2011.صحيح أن ذلك التدخل كان مؤسسًا على قرارات أممية ومرجعية إقليمية إلا أن توقف تدفق النفط الليبي إلى معامل التكرير الأوروبية والذي كان يبلغ آنذاك 1.7 مليون برميل يوميا ومن ثم تجاوز سعر البرميل الـ100 دولار كان أمرًا ذا دلالة بالنسبة إلى مستهلكي النفط.
ولعل تتبع كل الاستراتيجيات والمبادئ التي أعلنتها الإدارات الأمريكية المتعاقبة بشأن أمن الطاقة نجد أن ذلك المفهوم يعد مرادفًا لأمن الممرات الحيوية التي تمر عبرها إمدادات النفط للدول الغربية، كما أن المفهوم الاستراتيجي لحلف الناتو عام 2010 والذي يعد مراجعة أمنية لسياسات الحلف ويصدر كل عشر سنوات جاء فيه «أن الجانب الأكبر من الطاقة المستهلكة عالميا يتم نقله عبر مختلف أنحاء العالم، ومن ثم فإن إمدادات الطاقة ستظل عرضة بصورة متزايدة لخطر التعطيل، ولمواجهة تلك المخاطر يجب تطوير القدرة على الإسهام في ضمان أمن الطاقة بما في ذلك حماية البنى التحتية الحيوية للطاقة ومناطق عبورها وخطوط إمداداتها، بالإضافة إلى التعاون مع الشركاء وعقد مشاورات بين دول الحلف على أساس التقييمات الاستراتيجية والتخطيط للحالات الطارئة»، ويعني ما سبق أن لدى كل من الولايات المتحدة وحلف الناتو خططًا لمواجهة أي تهديدات لأمن الطاقة في الخليج العربي ومن ثم فإن محاولة إيران توظيف ورقة الطاقة ضمن الأزمة الراهنة مع الولايات المتحدة سيكون خيارًا ذا عواقب وخيمة.



 ومع أهمية ما سبق فإن اختزال المخاطر في مسألة إغلاق المضيق لا يعكس تقديرًا استراتيجيا فإيران تدرك تمامًا أن إقدامها على تلك الخطوة لا يعني سوى أمر واحد أنها ستكون في مواجهة العالم أجمع بما فيه حلف شمال الأطلسي«الناتو» الذي تحيط قواته بإيران من كل جانب ولكن يجب النظر إلى تهديد أمن الطاقة من منظور شامل حيث إن التهديدات الأخرى لا تقل خطورة عن مسألة إغلاق المضيق وخاصة في ظل تعرض أربع سفن تجارية لعمليات تخريب بالقرب من المياه الإقليمية لدولة الإمارات العربية المتحدة، فضلاً عن الهجوم الإرهابي الذي تعرضت له محطتان لضخ النفط في المملكة العربية السعودية من خلال طائرات «درون» المفخخة، وهو الأمر الذي وصفه وزير الطاقة والصناعة والثروة المعدنية بالمملكة بأنه «استهداف لأمن إمدادات الطاقة للعالم»، وثمة أزمات يمكن الاستفادة منها لجهة حماية آبار النفط التي ربما تكون هدفًا للتخريب ومنها حادث غاز أميناس في الجزائر عام 2013 حيث قامت عناصر إرهابية باحتجاز عدد من الرهائن في ذلك الحقل الأمر الذي حدا بالجيش الجزائري إلى التدخل وكانت النتيجة مقتل أفراد العناصر الإرهابية وعدد من الرهائن من جنسيات مختلفة. 
دول الخليج أدركت ومنذ وقت مبكر تلك المخاطر التي تواجه هذا القطاع الحيوي وخاصة أنه أحد القطاعات المستهدفة فمنذ عام 2003 وحتى الآن شهدت المملكة العربية السعودية 11 محاولة لاستهداف منشآت وخطوط أنابيب نفطية، الأمر الذي حدا بدول الخليج إلى العمل على مستويين أحدهما استراتيجي والآخر تكتيكي، فعلى المستوى الأول كان التفكير في إنشاء خطوط بديلة لنقل النفط بعيدًا عن مضيق هرمز، بالإضافة إلى إيلاء الأمن البحري أهمية خاصة ضمن جهودها لبناء قوة ذاتية خليجية وتعكس المناورات البحرية المكثفة سواء داخل كل دولة خليجية أو فيما بين الدول الخليجية وشركائها على المستويين الإقليمي والعالمي هذا الأمر، بل إن الخبرة التراكمية لدول الخليج من خلال العمل مع القوات الدولية المعنية بأمن الخليج العربي ومكافحة القرصنة ومكافحة الإرهاب والأمن الملاحي تمثل أساسًا مهما لقدرات دول الخليج البحرية بما يمكنها من التعامل مع سيناريو لمواجهات بحرية محتملة، وعلى المستوى التكتيكي إيلاء دول الخليج المزيد من الاهتمام لقضية أمن الطاقة وخاصة خلال شراكتها مع الدول والمنظمات الدفاعية الكبرى من خلال التدريب والاستشارات.
لا جدال أن العالم سيصبح جبهة واحدة في مواجهة أي تهديد لأمن الطاقة ولكن جل ما أصبو إليه من خلال هذا المقال هو الحوادث الأخرى المتفرقة سواء بالنسبة إلى آبار النفط أو أنابيب النقل وأتصور أن هناك تجارب يمكن الاستفادة منها فحلف الناتو على سبيل المثال قد أسس عدة آليات للحفاظ على أمن الطاقة منها مركز رصد التحديات الأمنية الناشئة الذي يتيح تبادل المعلومات الاستخباراتية بين دول الحلف بشأن تلك التهديدات، بالإضافة إلى تعديل هيكل القوات المسلحة للحلف من خلال تأسيس قيادة تختص بحماية خطوط النقل البحري.
 وفي ظل استبعاد سيناريو المواجهة العسكرية المباشرة بين الولايات المتحدة وإيران حيث لايزال الصراع يدور ضمن ما يعرف «بأزمة التلاعب» بعيدًا عن أزمة «حافة الهاوية»، فإن تلك المرحلة تحمل في طياتها تحديات لا تقل خطورة عن مسألة المواجهة العسكرية وخاصة في ظل وجود أذرع إقليمية لإيران، ما يعني أن خيار الحرب بالوكالة سيكون حاضرًا ليس أقلها تهديدات الحوثيين باستهداف أهداف مستقبلية في المملكة العربية السعودية.
ومع أهمية الشراكات الدفاعية بين دول الخليج والدول الغربية والتي تتعدد جوانبها ليس أقلها المناورات البحرية المشتركة والتنسيق العسكري بشكل مستمر تبقى أمام دول الخليج متطلبات ثلاثة أولها: وضع سيناريوهات للتعامل مع الأحداث الطارئة ذات الصلة بالمنشآت النفطية من خلال نماذج محاكاة للتدخل من خلال قوات مسلحة عالية التدريب حال تعرض منشأة نفطية لهجوم إرهابي، وثانيها: مراجعة خطط الأمن البحري عمومًا وخطط السيطرة على أي تلوث بحري محتمل جراء تسرب نفطي من إحدى السفن جراء عمل تخريبي، وثالثها: مراجعة الإجراءات الأمنية الخاصة بتأمين خطوط نقل النفط.

تعليقات