مقاربة حل النزاعات الدولية ومسألة التوقيت المناسب: مراجعة لنظرية لحظة النضج

www.elsiyasa-online.com
مقاربة حل النزاعات الدولية ومسألة التوقيت المناسب: مراجعة لنظرية لحظة النضج 

عـادل زقــاغ

     عادة ما تركز الأدبيات التي تتناول تحليل النزاعات الدولية على التوليفة الإتيولوجية التي تجتهد في البحث عن أسباب اندلاع النزاعات. وفي مقابل ذلك فإن حجم الأدبيات التي تهتم بحل النزاعات يعتبر قليلا نسبيا، وقد دأب هذا الاتجاه على الربط بين المضي قدما نحو التسوية ومدى توفر مقترحات جدية للحل، أو وجود طرف ثالث يمتلك رافعة فعالة، تسمح له بجر أطراف النزاع بعيدا عن المواقف المتصلبة ومن ثمة إيجاد مخارج مناسبة. وفي هذا الصدد يرى "بول ستيرن" Paul Stern أن النزاع مثله مثل المرض الذي يقتضي التعامل معه الحصول على تشريح دقيق للوضع، ومن ثمة تحديد الجرعات العلاجية المناسبة. فصانع السلام بحاجة إلى تشخيص دقيق للوضعية التنازعية؛ ويتعلق الأمر بأطراف النزاع (الدول في حالة النزاعات الدولية وهي تستدعي اللجوء إلى الآليات التقليدية لفض النزاعات، أو مجموعات داخل الدولة الواحدة وهي تستدعي آليات ابتكارية)؛ أو طبيعة القضايا التنازعية (إن كانت مصلحية interest-based قابلة للتوفيق، أو مبدئية قائمة على قيم غير قابلة للتفاوض value-based تقتضي عملا "تسهيليا" facilitative سابقا لعملية صنع السلام).




لكن مع أهمية هذه الجوانب إلا أن ويليم زارتمان William Zartman يطرح نقطة أخرى تتعلق بتوقيت جهود السلام بشكل مناسب، والذي يعتبره القضية الأكثر حيوية بالنسبة لصناع السلام. فإذا تقدم صناع السلام بمقترحاتهم في مرحلة معينة من النزاع، فإن فرص نجاحهم في إقناع المتنازعين تكون كبيرة جدا إذا ما قورنت بفترات أخرى. لكن هل يتعلق الأمر بلحظات زمنية قصيرة أو فترات بعينها والتي يكون خلالها حل النزاع أمرا متيسرا. يقول "ويليم زارتمان" في هذا الصدد أن:
"نجاح عملية الوساطة مرتبط ببلوغ لحظة النضج وإدراكها من قبل المتنازعين، ويكون ذلك بوقوع أطراف النزاع في المأزق الضار المتبادل الذي تلوح في أفقه كارثة وشيكة؛ أو عندما تسد جميع الطرق أمام الحلول الانفرادية بحيث تبدو الحلول المشتركة بمثابة المخرج الوحيد؛ كما تحدث لحظة النضج أيضا لدى تغير موازين القوى ضمن كل طرف وقيام القيادات الصاعدة والقيادات المنتكسة بإعادة النظر في حساباتها. لكن إدراك لحظة النضج هذه من قبل أطراف النزاع قد لا يتأتى إلا بمساعدة طرف ثالث يعمل على التوفيق بين المتنازعين."
     إذن، يفترض زارتمان أنه وخلال مرحلة معينة من النزاع، دون غيرها، تظهر الأطراف المتحاربة استعدادها للتداول بشأن مقترحات التسوية التي طالما تغاضت عنها في السابق، ويعود ذلك إلى إدراكها بأن أي بديل عن التفاوض سيؤدي إلى كارثة، فضلا عن أنه لا تلوح في الأفق أية علامات لإمكانية الحسم العسكري. وهنا نكون إزاء ما يسمى بلحظة النضج Ripe moment والتي تحسّن وبشكل مفاجئ من فرص النجاح لجهود الوساطة. حيث يتحول قادة أطراف النزاع عن عقلية الانتصار Winning Mentality لصالح عقلية التوفيق Conciliating Mentality. وحسب تعبير Campbell فإن القبول بالحل التفاوضي لا يعود إلى إتباع إجراءات معينة فحسب، ولكنه يعود بالأساس إلى مدى جاهزية الأطراف لاستغلال الفرص، ومواجهة الخيارات الصعبة، وتقديم تنازلات متبادلة ومتكافئة، باختصار يجب أن تفعل الشيء الصحيح في الوقت المناسب.
     ومع أهمية تصور النضج عند "زارتمان"، حيث من التصورات الابتكارية، فقد ساهم في بلورة أربعة نماذج لتوقيت التدخل اثنان منهما طورهما زارتمان نفسه وآخرون، في حين جاء النموذج الثالث -المصيدة- تحويرا لمفهوم النضج. أما النموذج الرابع تصور نافذة للأمل، فقد طرحه "ميتشل" و"كروكر". إلا أنه تظل هناك نقطة إشكالية:  تنطوي على مدى أخلاقية الدور السلبي الذي يناط بصانعي السلام وفق النموذجين الأولين، ومدى أخلاقية إنضاج النزاع باستعمال الرافعة، مع ما تنطوي عليه من مخاطر على حياة الأفراد وذلك جنبا إلى جنب مع النموذجين الأولين. وهنا نتساءل هل يمكن إيجاد صيغة عملية لتوقيت مساعي السلام بحيث يتم أخذ الاعتبارات الأخلاقية بعين الاعتبار، وبالأساس عدم اتخاذ موقف سلبي إزاء المآسي الإنسانية، دون أن إغفال الاعتبارات العملية، وبالذات بلوغ الحالات التنازعية مراحل متفاوتة، ووجود صانعي سلام متفاوتي القوة والنفوذ والدور؟.

محتويات الدراسة:

1- نموذج المأزق الضار والنموذج الكارثي.
    
2- نمـوذج المصيـدة.
    
3- نموذج الفرص الجذابة المتبادلة.

الخاتمة.


تعليقات