مفهوم الأمن الإنساني في العلاقات الدولية



أضحى مفهوم الأمن الإنساني كثير التداول في الساحة العالمية، لدرجة أن بعض المعاهد أدرجته كمادة للدراسة، كما هو الحال في كندا، فهو يعد من المفاهيم التي صاحبت التحولات التي حدثت خاصة بعد نهابة الحرب الباردة، والتي دفعت بالمفكرين لصياغة رؤى جديدة لتمكين العالم من تحقيق فعلي وفعّال للسلم و الأمن الدوليين ،ولا تتخذ بالضرورة الدولة وحدة تحليل لها.
فيبقى التساؤل عن المحتوى الذي يحمله مفهوم الأمن الإنساني وخاصة ما مدى ارتباطه بالمفهوم التقليدي المتمحور حول أمن الدولة، فهل هما متضادان ويستحيل الجمع بينهما، أم أن هذا المفهوم الجديد يعمل في حدّ ذاته على تقوية فعالة للدولة،لدرجة أنَّ الهدف من الأمن الإنساني هو في حقيقة الأمر تعزيز لقوة الدولة من خلال فرض الإستقرار العالمي.
فرض الواقع المعقد، ضرورة إعادة التأكيد على أهمية الفرد كمرجعية وكموضع للدراسات الأمنية إثر التحولات التي مست الساحة العالمية . وقد أعطي لمفهوم الأمن الإنساني أو كما يفضل البعض تسميته "بالاستقرار الإنساني" جملة من التعاريف تشترك في فكرة ضرورة تحرير الإنسان سواء من العنف أو من الحاجة وكذا في مبدأ كرامة الإنسانية.
1-      للويد أكسورد LLOYD AXWORD:
عرّف الأمن الإنساني في جوان 1996م على أنه :
"حماية الأفراد من التهديدات التي تكون مصحوبة أم لا بالعنف، وهي وضعية تتميز بغياب الخروقات للحقوق الأساسية للأشخاص، لأمنهم ولحياتهم، وهي رؤية للعالم تنطلق من الفرد وكغيرها من سياسات الأمن فهي تعني الحماية"
  بالنسبة إليه ومن ثم لكندا يعني الأمن الإنساني الحماية من كل التهديدات التي تمس بالحقوق الإنسانية مهما كانت، فإن كان الأمن يعد أكثر تهديدا في حالة النزاعات، فهو لا يعني مجرد القيام بفعل إنساني، بل يوحي بضرورة البحث عن الأسباب العميقة للأمن ومعالجتها، والمساهمة في ضمان أمن الأفراد مستقبلا.
ويعود إهتمام كندا بمسألة الأمن الإنساني لكونها لا تعرف تهديدات مباشرة على حدودها الآمنة، بقدر ما تتأثر بالاستقرار العالمي، لإعتمادها الكبير على التجارة العالمية. لذا فهي ترى في الأمن الإنساني"دفاعا متقدما لها" الحماية إذا لا  
ويعود إهتمام كندا بمسألة الأمن الإنساني لكونها لا تعرف تهديدات مباشرة على حدودها الآمنة، بقدر ما تتأثر بالاستقرار العالمي، لإعتمادها الكبير على التجارة العالمية. لذا فهي ترى في الأمن الإنساني"دفاعا متقدما لها" الحماية إذا لا تكون من العنف المسلح فقط، بل تتمثل كذلك في الحماية من تدهور البيئة، ومن خرق لحقوق الإنسان، ومن الإرهاب، والإجرام .
.المنظم ومن الأمراض المعدية ومن التمييز الاثني أي من كل ما قد يشكل تهديد للإنسان.

2-  شارل فيليب،دافيد  Charles Philippe DAVIDوبياتريس باسكال Béatrice Pascal: يعرّفانه على أنه "حالة التواجد في مأمن من الحاجة الاقتصادية والتمتع  بنوعية حياة مقبولة وبضمان ممارسة الحقوق الأساسية" كما يؤكدان على أن  السلم لا ينحصر فقط في مراقبة ونزع التسلح، بل أن "التنمية المستدامة، وإحترام حقوق الشخص، والحريات الأساسية وأسبقية القانون، والحكم الراشد، والعدالة الاجتماعية، هي كلها مهمة بدورها للسلم العالمي".
فالأمن الإنساني يعني التحرر من الحاجة الاقتصادية، ومن الاستعباد، العنف السياسي، إذ يستدعي إشباع كل الحاجيات الأساسية للكائن الإنساني مهما كانت، اقتصادية اجتماعية، ثقافية، سياسية، أو أمنية، وفي أي زمان ومكان يتواجد فيه ودون أي تمييز.



3- تعريف برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (PNUD): قدم تعريف للأمن الإنساني في التقرير الذي أصدره في 1994 حول التنمية الإنسانية المستدامة بحيث يرى البرنامج الأممي للتنمية ومن خلاله الأمم المتحدة أن الأمن الإنساني كان دائما يعني شيئين رئيسيين:"التحرر من الخوف والوقاية من الحاجة" وقد عدد التقرير سبع مستويات تشكل كلها محتوى الأمن الإنساني وهي: الأمن الاقتصادي، الأمن الغذائي، الأمن الصحي، الأمن البيئي، الأمن الشخصي، الأمن الجماعي و الأمن السياسي.
تؤكد كل التعاريف المقدمة وتوضح بأن الأمن الإنساني عبارة عن رؤية شاملة للأمن تأخذ الفرد بدلا من الدولة، كبديل لإقامة نظام دولي جديد مبني على السلم والأمن، وكذا على ضرورة تحرر الإنسان من الحاجة والخوف، والمحافظة على كرامته بصيانة حقوقه الإنسانية الأساسية، فله الحق أن يعيش في مأمن من الخوف والجوع والمرض والموت، وهي أمور ورد ذكرها بالتفصيل في تعريف PUND حيث أجملها في سبعة أبعاد أو مستويات. فلماذا إذا تم إختيار تعريف آلكير Sabina ALKIRE كتعريف إجرائي دون غيره؟
تعريف الأستاذة آلكير وتفصيلها لمفهوم الأمن الإنساني لم يكتف بذكر أبعاد الأمن الإنساني في محتواه والأفكار التي تضمنتها التعاريف السابقة بل تضمن النقاط الأساسية التي يرتكز عليها مفهوم الأمن الإنساني، والمتمثلة في:
1.     تقرّ بأن التهديدات تتجاوز قدرة طرف واحد على مقاومتها ومراقبتها وبالتالي فهي تقر بعجز الدولة عن ضمان أمن أفرادها وضرورة التعاون المتعدد الأطراف والميادين.
2.     إصلاح وتطوير المؤسسات التي لابد أن تعمل على تفادي تأزم الأوضاع، وإنتهاج سبل وقائية سواء على المستوى الوطني أو الجهوي أو العالمي و ضرورة إصلاح الأمم المتحدة ذاتها.
3.     يقضي الأمن الإنساني على التمييز، كونه يركزّ على الفرد الإنساني أيّا كان، لكونه مواطنا عالميا، وكائنا إنسانيا، وعلى الجميع ضمان حقوقه،  وحرياته، وبالتالي كرامته.
من هنا يعد الأمن الإنساني مفهوما جديدا يدعوا المجموعة العالمية لعدم الاهتمام فقط بالتسلح وبدور الدولة، بل وكذلك بالاهتمام بالحاجات الأساسية للمواطن بحقوقه الإنسانية وبالتنمية الإنسانية المستدامة .
لذا ينظر لمفهوم الأمن الإنساني على أنه الأمن المركز على الفرد، وهو يركز أكثر فأكثر على الحاجات الاقتصادية، والاجتماعية والسياسية للفرد، أي في  أن يكون الإنسان بمأمن من الحرمان الاقتصادي والتمتع بنوعية حياة مقبولة، وضمان الأداء للحقوق الإنسانية الأساسية، فهو إذا، مفهوم  يضع الإنسان في قلب السياسات الأمنية وليس التهديد،كمالا يحصره في نطاق الدولة ،بل يتعلق بالأمن الشامل على المستوى العالمي، مستوجبا التعاون وليس التصادم بين مختلف الفواعل على الساحة العالمية.

تعليقات