احتجاجات الجزائر .. بين مخاوف الماضي ومآلات المستقبل


دراسة: مركز الفكر الإستراتيجي للدراسات


تتواصل في الجزائر الاحتجاجات الشعبية الرافضة لتمديد فترة حكم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، منذ 22 فبراير/شباط الماضي، على خلفية ما عدَّته استفزازاً لها بترشحه، في 10 فبراير/شباط، لجولة خامسة، كان من المقرر أن تجري في 18 أبريل/نيسان؛ وذلك نظراً لتدهور حالته الصحية، وغيابه عن إدارة مهامه وتمثيل الجزائر في المحافل الدولية منذ قرابة سبع سنوات.
وعلى الرغم من أن القرارات التي أصدرها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، القاضية بتأجيل الانتخابات، كاستجابة لمطالب الاحتجاجات الشعبية، قد أربكت لحظةَ صدورها المحتجين وأحزاب المعارضة، لكنهم سرعان ما رأوا فيها التفافاً على مطالبهم، وأعلنوا رفضها، ودعوا إلى استمرار الاحتجاجات.

وقد أخذت دائرة الاحتجاجات بالتوسع يوماً بعد آخر، ومعها ارتفاع سقف المطالب إلى ضرورة تغيير النظام الذي يبدو أنه يفتقد إلى شخصية جامعة، وهو ما يثير التساؤلات حول مستقبل المشهد الجزائري.

مدركات

تحدت الجماهير الجزائرية الراغبة بطي صفحة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، المعتلِّ الصحة، مخاوفها التي خلفتها سنوات العشر الدامية، محركة المشهد السياسي الراكد خلال السنوات الماضية، ومعيدة الثقة بالمجتمع الجزائري، وأنعشت الآمال بإمكانية الانتقال إلى الديمقراطية، ولو بصورة متدرجة، وقد حظي المحتجون وسلوكهم الحضاري، وكذلك تعامل السلطات الأمنية معهم حتى اللحظة، بإشادة المتابعين.

يحكم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة (82 عاماً) البلاد منذ 20 عاماً (1999)، ونال تقدير كثيرين في حينها؛ لدوره في انتشال الجزائر من الحرب الأهلية، وإعادة الاستقرار والتنمية إليها، رغم بعض الاتهامات التي تعرض لها، والمتعلقة بقمع الاحتجاجات سابقا، غير أن صحته تدهورت كثيراً بعد عام 2013، ومنذ ذلك الحين أصبح نادراً ما يظهر علناً، وعادة ما كان يخاطب الشعب الجزائري بواسطة مساعديه، المتهمين باستغلال بقائه في السلطة.

دوافع الاحتجاجات 

ثمة أسباب سياسية واقتصادية واجتماعية ونفسية عديدة وراء الاحتجاجات، تتمثل بركود النظام السياسي، وعدم حدوث تغيير، وسيطرة الجيش، وتدهور الاقتصاد، وتفشي مظاهر الفساد المالي في الإنفاق الحكومي والتهرب الضريبي ومخالفة مواصفات المشاريع، ولعل الأسباب النفسية المتعلقة بالكرامة تقع في صدارتها؛ نتيجة طول مدة بقاء الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في السلطة واعتلال صحته، فهو لم يستطع أن يلقيَ خطاباً عاماً خلال السنوات الست الماضية، ولم يمثل بلاده في المؤتمرات والزيارات الدولية، ونادراً ما استقبل زائراً أجنبياً.

ولا بد من الإشارة إلى أن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة حظي باحترام كثير من الجزائريين خلال رئاسته قبل أن يصاب بمرض في 26 نوفمبر/تشرين الثاني 2005، نُقل على إثره إلى المستشفى العسكري الفرنسي (فال دوغراس)، حيث مكث شهراً وخمسة أيام، وفي 27 من أبريل/نيسان 2013، أصيب بجلطة دماغية، نُقل على إثرها إلى المستشفى الفرنسي نفسه، وبقي في المستشفيات الفرنسية إلى يوم عودته إلى الجزائر في 16 يوليو/تموز 2013 على كرسي متحرك.

صراع النخبة الحاكمة

تحكم الجزائر، منذ تحررها من الاستعمار الفرنسي عام 1962، مجموعة من القادة العسكريين ومسؤولي الاستخبارات ونخبة رجال الأعمال والسياسيين، وبمرور السنوات ضاقت دائرة الحكم، وضاعف من تداعياتها تعاظم
دور شقيق الرئيس بوتفليقة (سعيد) في عملية صنع القرار، وإقالة الرئيس لقيادات في الجيش، ففي منتصف سبتمبر/أيلول الماضي أقال الرئيس الجزائري خمسة من كبار قادة الجيش، أبرزهم قائد القوات البرية اللواء أحسن طافر، وقائد القوات الجوية اللواء عبد القادر لوناس، وأمين عام وزارة الدفاع اللواء محمد زناخري. وسبق له أن أقال، في 17 أغسطس/آب الماضي 2018، قائد المنطقة العسكرية الأولى التي تشمل العاصمة والمدن القريبة منها، حبيب شنتوف، وقائد المنطقة العسكرية الثانية التي تشمل غرب البلاد، ومن ضمنها المناطق الحدودية مع المغرب، اللواء سعيد باي؛ وذلك بعد إقالته قائد جهاز الدرك اللواء مناد نوبة، وقائد جهاز الأمن العام اللواء عبد الغني هامل، وقائد جهاز الاستخبارات التابعة للشرطة نور الدين راشدي، وقائد الناحية العسكرية الرابعة عبد الرزاق شريف، ومدير الشؤون المالية في وزارة الدفاع الوطني بوجمعة بودواو، وعدداً من المسؤولين في المديريات الفرعية للجيش.

وفي ظل الاحتجاجات الشعبية قدم بعض القيادات في الحزب الحاكم (جبهة التحرير الوطني) والنواب استقالاتهم من الحزب.

مضمون قرارات الرئيس عبد العزيز بوتفليقة

أكد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة أنه لم يكن ينوي الترشح: "لا محل لعهدة خامسة، بل إنني لـم أنو قط الإقدام على طلبها، حيـث إن حالتي الصحية وسني لا يتيحان لي سوى أن أؤدي الواجب الأخير تجاه الشعب الجزائري، ألا وهو العمل على إرساء أسس جمهورية جديدة تكون بمثابة إطار للنظام الجزائري الجديد الذي نصبو إليه جميعاً".

وأعلن عن ندوة وطنية جامعة مستقلة (مؤتمر حوار وطني) "ستكون هيئة تتمتع بكل السلطات اللازمة لتدارس وإعداد واعتماد كل أنواع الإصلاحات، التي ستشكل أسيسة النظام الجديد، الذي سيتمخض عنه إطلاق مسار تحويل دولتنا الوطنية، وستكون هذه الندوة عادلة من حيث تمثيلُ المجتمع الجزائري ومختلف ما فيه من المشارب والمذاهب، وستتولى النّدوة تنظيم أعمالها بحريّة تامة، بقيادة هيئة رئيسة تعددية، على رأسها شخصية وطنية مستقلة، تحظى بالقبول والخبرة، على أن تحرص هذه النّدوة على الفراغ من عُهدَتها قبل نهاية عام 2019. وسيُعرض مشروع الدستور الذي تعده الندوة الوطنية على الاستفتاء الشعبي. والندوة الوطنية المستقلة هي التي ستتولى، بكل سيادة، تحديد موعد تاريخ إجراء الانتخاب الرئاسي الذي لن أترشح له بأي حال من الأحوال".

وقد أثار نفي الرئيس بوتفليقة الرغبة في الترشح لدورة قادمة كثيراً من التساؤلات عن الشخصية التي ستدير المشهد السياسي، بعد أن سبق الإعلان عن ترشحه وأيدته قيادات في الدولة وأحزاب الموالاة، وكذلك عن مدى دستورية القرارات التي أعلنها الرئيس بوتفليقة، وعلاقتها بمطالب الاحتجاجات الشعبية.

وبحسب وكالة رويترز فقد أشاد الدبلوماسي الجزائري الأخضر الإبراهيمي، بعد اجتماعه مع بوتفليقة، بسلوك المحتجين، قائلاً على التلفاز: "الشباب الذين خرجوا في شوارع بلدنا تصرفوا بمسؤولية أثارت إعجاب الجميع في الداخل والخارج"، داعياً إلى "الاستمرار في التعامل مع بعضنا البعض بهذه المسؤولية والاحترام المتبادل، وأن نحول هذه الأزمة إلى مناسبة بناء وتشييد".

ونفى الأخضر الإبراهيمي الأخبار المتداولة بشأن تكليفه برئاسة (الندوة الوطنية) التي ستشرف على المرحلة الانتقالية في البلاد.

مواقف الفاعلين المحليين

تباينت مواقف الموالاة عن مواقف المعارضة تجاه ترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لعهدة خامسة سابقاً، ولاحقاً تجاه القرارات الرئاسية (خارطة الطريق)، إذ تَعُدها الموالاة في المجمل ضرورة لترتيب الانتقال الآمن للسلطة، في حين عدَّتها المعارضة تمديداً للعهدة الرابعة وتحايلاً على مطالب المحتجين الداعية لإحداث تغيير بمنصب الرئيس والنخبة الحاكمة.

وكما أن المعارضة الجزائرية ليست كياناً واحداً موحدَ الأهداف، كذلك السلطة لا تبدو في جوهرها منسجمة ومتفقة على الرؤية حول مستقبل الأزمة ومن يخلف الرئيس بوتفليقة، فكل جناح من أجنحتها يحاول تسيير الاحتجاجات واستثمارها لمصلحته بالاعتماد على مواقعه في السلطة وعلاقاته الخارجية.

وكان حزب جبهة التحرير الوطني، صاحب الأغلبية البرلمانية، والتجمع الوطني الديمقراطي، الذي ينتمي إليه رئيس الوزراء المستقيل، وصاحب الكتلة البرلمانية الثانية، رحبا بإعلان ترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لعهدة (فترة) خامسة، وأعْلنا دعمهما له.

تعاني المعارضة الجزائرية من الانقسامات، وغياب التوافق حول مشروع جمعي لها، وشخصيات تمثلها، وسبق لها أن فشلت في الاتفاق على مرشح واحد يخوض الانتخابات لمنافسة الرئيس بوتفليقة، قبل تأجيل الانتخابات، واضطرار بعض المرشحين إلى الانسحاب من المشاركة فيها، ومع ذلك فقد عارضت أغلبية المعارضة، إن لم تكن جميعها، قرارات الرئيس بوتفليقة (خارطة الطريق)، ويعود ذلك لتمديد الرئيس لنفسه عهدته الرابعة، وعدم مشاورة المعارضة في تلك القرارات، ومن ضمنها تعيين رئيس الحكومة ونائبه.

فقد رأى رئيس الحكومة الأسبق علي بن فليس (2000-2003) أن البلاد شهدت تعدياً بالقوة على الدستور؛ بالإعلان عن تمديد الولاية الرابعة للرئيس بوتفليقة، دون مباركة من الشعب. من جهتها رأت حركة مجتمع السلم (أحد أكبر أحزاب المعارضة) برئاسة عبد الرزاق مقري، مرشح الرئاسة المنسحب، أن خارطة طريق بوتفليقة تمثل التفافاً على مطالب التغيير الحقيقية للشعب، ويُقصد بها تفويتُ الفرصة التاريخية للانتقال بالجزائر نحو تجسيد الإرادة الشعبية والتخلص نهائياً من النظرة الأحادية الفوقية.

بدوره رأى حزب العمال، بقيادة لويزة حنون، أن هذه القرارات كانت ستؤدي إلى التهدئة لو لم تمدَّد ولاية الرئيس بوتفليقة، لكن وقوع ذلك هو التفاف على مطالب الشعب في تغيير النظام.

وفي ذات السياق قال حزب جبهة العدالة والتنمية، بقيادة عبد الله جاب الله: رفضنا فرض خريطة الطريق، التي وضعت بمنطق فرض الأمر الواقع بمعزل عن الشعب، وبعيداً عن أي حوار معه أو إشراك له فيها.

وكان الاتحاد الوطني لمنظمات المحامين الجزائريين طالب بـ"سحب ترشح بوتفليقة لولاية خامسة تفادياً لأي انزلاق أو تصعيد"، مشدداً على ضرورة تأجيل الانتخابات الرئاسية والتأسيس لمرحلة انتقالية لا تتجاوز سنة واحدة، تشرف عليها حكومة محايدة وتوافقية.

ويعد الجيش الجزائري بقيادته فاعلاً رئيسياً، حيث يؤدي دوراً محورياً في إدارة الدولة والتحكم في التفاعلات السياسية من خلف الكواليس. وقد أظهر الجيش، بقيادة الفريق أحمد قايد صالح، نائب وزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان، اهتماماً كبيراً بالاحتجاجات، وتأكيداً لدوره في الحفاظ على الأمن والاستقرار في مختلف الظروف، وأصدر الجيش عدة بيانات منذ بداية الأزمة تدرجت بحسب مواقف الرئاسة الجزائرية، حيث دعم في البداية إجراء الانتخابات، ثم قرارات الرئيس التي أجلت الانتخابات ودشنت خارطة طريق، وفي البيانات الأخيرة ابتعدت مواقف الجيش قليلا عن الرئاسة ومالت أكثر للمطالب الشعبية ضمنيا.

ويعد الدفاع الوطني، بموجب دستور عام 1996، من بين مهام رئيس الجمهورية، الذي يشغل أيضا منصب وزير الدفاع وقائد الأركان بدوره نائب لوزير الدفاع.

وتظهر من تحركات قيادة الجيش وتصريحاتها أنها تحاول التحكم في الحراك الشعبي، وممارسة الضغط على قوى المعارضة واستمالة بعضها، وإدارة التغيير خلال المرحلة القادمة، والدفع بشخصيات مدنية لتولي مناصب رئيسية بهدف امتصاص غضب الشارع.

المواقف الإقليمية والدولية 

يشكل الحراك الشعبي هاجساً مقلقاً للأنظمة الإقليمية؛ خوفاً من معاودة انتقال شرارته مجدداً إلى دولها، ولتحدي الجماهير المخاوف التي ولَّدها تعامل الأنظمة العنيف مع شعوب دول الربيع العربي. وقد التزمت أغلبية الأنظمة العربية الصمت وعدم إعلان مواقف رسمية، ومع ذلك تعمل بعض دول الإقليم والدول الكبرى على رصد احتجاجات الجماهير في الجزائر، وتوظيفها لخدمة أجندتها الخاصة، نظراً لمقومات الجزائر وإمكاناتها المادية والتأثيرية في دول الجوار، خاصة تونس وليبيا والمغرب. فضلاً عن أن الجزائر منتج رئيسي للطاقة، وتعد ثالث مصدر للغاز الطبيعي لأوروبا، وعضواً فاعلاً في منظمة أوبك، وشريكاً فاعلاً في الحد من تدفق المهاجرين من أفريقيا ومكافحة الإرهاب.

فرنسا تعد الدولة الأكثر تفاعلاً وخشية من تداعيات احتجاجات الجماهير، وقد شهدت بعض مدنها احتجاجات الجزائريين المقيمين فيها مساندة لمن هم في الجزائر، ورافضة لبقاء الرئيس بوتفليقة في السلطة.

ويبدو من تحركات الحكومة الفرنسية أنها ما زالت تتعامل مع الجزائر بمنطق الوصاية، حيث كثفت من تواصلها مع النخبة الجزائرية، وقد رأى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن قرار بوتفليقة فتح فصلاً جديداً، ودعا إلى مرحلة انتقالية لمدة معقولة، وأضاف: "سنبذل كل ما في وسعنا كي نكون مع الجزائر في هذه المرحلة الانتقالية بصداقة واحترام".

من جهتها أيدت الولايات المتحدة القرارات التي أصدرها الرئيس الجزائري، إذ قالت وزارة الخارجية الأمريكية إنها تدعم الجهود التي تبذلها الجزائر "لرسم طريق جديد للمضي قدماً من خلال حوار يعبر عن إرادة كل الجزائريين وآمالهم في مستقبل آمن ومزدهر"، وإنها تتابع عن كثب التقارير بشأن تأجيل الانتخابات.

السيناريوهات

الاحتجاجات الجماهيرية؛ بزخمها والصورة الحضارية التي بدت عليها، كانت مفاجئة للجميع، وحملت غموضاً لم تتضح ملامحه الكلية حتى الآن، خاصة أن الجزائريين لهم ذكرى مؤلمة.

وعادة تُصعِّب طبيعة الفعل الجماهيري وكيفية تعامل السلطات معه الموثوقية بأي من السيناريوهات التي ستسلكها التطورات، لكنها في المجمل، في الحالة الجزائرية الراهنة، يمكن تصنيفها في ثلاثة سيناريوهات متفاوتة في نسب تحققها:

السيناريو الأول: التوافق على خارطة الطريق 

يتوقع هذا السيناريو أن تقبل المعارضة والمحتجون بخارطة الطريق التي دشنها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، لكونها قد توفر المناخ المناسب، وتهيئ الظروف لانتقال سلس للسلطة، بعد الاتفاق على دستور جديد، انطلاقاً من اتفاق السلطة والمعارضة على خطورة تداعيات انفلات الأزمة، خاصة في ظل التباينات في صفوف المعارضة، وغياب الممثلين الوازنين للجماهير المحتجة والقادرين على ضبط الحراك.

يضعف هذا السيناريو غياب الثقة بالسلطة والتزامها بتنفيذ الإصلاحات، نتيجة اتخاذها إجراءات أحادية لم تحاول التشاور مع المحتجين أو قوى المعارضة قبل إصدارها، كذلك تعدد مواقف المعارضة والجماهير، وصعوبة قبولها مجتمعة عرض السلطة.

السيناريو الثاني: عدم القبول واستمرار الاحتجاجات

ينطلق السيناريو من فرضية أن الحالات الثورية تبدأ بحراك محدود، لكنها سرعان ما تجذب المزيد من الجماهير وممثلي فئات الشعب في حالتي تصعيد أجهزة السلطة أو تنازلاتها؛ فعند حدوث تنازلات من قبل السلطة يرتفع سقف مطالب المحتجين، وتبرز المظالم ومطالب النقابات بمعالجة مشكلات قطاعاتها.

يدعم هذا السيناريو رفض المعارضة والجماهير تأجيل الانتخابات وتمديد مدة حكم الرئيس، وتكليف وزير الداخلية السابق رئيس الحكومة الجديد واتخاذ قرار تأجيل الانتخابات والقرارات المرافقة دون التشاور مع المعارضة أو ممثلين عن المحتجين.

يضعف هذا السيناريو إدراك مختلف القوى السياسية والعسكرية لتداعياته السلبية، خصوصاً أن ذاكرة الجزائريين ما زالت مستحضرة سنوات العشر السوداء/الدموية في تسعينيات القرن الماضي.

السيناريو الثالث: التوافقات الجزئية وبقاء الاحتجاجات المتقطعة 

يتوقع هذا السيناريو المرجح أن توافق المعارضة على عناصر في خارطة الطريق وتستمر بالتحفظ على أخرى، في محاولة لتجنب التفاف السلطة على الإصلاحات، مع احتمال حدوث تغييرات خلال المرحلة القادمة في التعامل مع المحتجين، وربما في موقع الرئيس بوتفليقة، وفي هذا الإطار يمكن التوافق على موعد آخر للانتخابات الرئاسية القادمة.

حيث تلتقي مصالح المعارضة مع مصالح جزء من السلطة حول ضرورة خروج الرئيس بوتفليقة من السلطة، في الوقت الذي يصر هو أو المقربون منه على خروجه المشرف، وبحيث تضمن مخرجات التغيير مصالحها، وقد استطاعت قرارات الرئيس بوتفليقة نقل جزء وازن من الأزمة إلى مربع القوى السياسية والاجتماعية، وأحدثت صراعات داخل معسكر المعارضة حول المرحلة الانتقالية والتمثيل في الندوة الوطنية والرؤى السياسية في حال انعقادها.

ويعتمد الطرفان؛ السلطة والمعارضة، على الاحتفاظ بأوراق ضغط على الآخر، ففي حين تريد المعارضة التلويح بتحريك الشارع (المظاهرات)، تتجنب السلطة الاعتراف الكلي بمشروعية مطالب الشارع، وتحاول التحايل على استحقاقات الاعتراف الجزئي، بحيث تسير تلك الاحتجاجات، ومن ضمنها مواقف أحزاب المعارضة، لمصلحة جناح في السلطة يقصي شركاءه ويسمح بمشاركة محدودة للمعارضة، وكذلك الاستجابة لمطالب الجماهير قد تكون جزئية ومؤقتة، من جهتها تدرك قوى المعارضة، ومن ضمنها جزء من النخبة السلطوية التي تشعر بالإقصاء، أهمية بقاء ضغط الاحتجاجات لانتزاع المزيد من الحقوق والحريات والإصلاحات.

يدعم هذا السيناريو الترحيب الأولي بقرارات الرئيس بوتفليقة، ثم الحذر اللاحق، دون الرفض المطلق لها، مع إقرار أغلب الأطراف أنه الخيار الأمثل الذي يحظى بتأييد الفاعلين الرئيسيين محلياً ودولياً.

تعليقات