أ.د/عامر مصباح
جامعة الجزائر 3
أعلنت أمس هيئة من القضاة تسمي نفسها “نادي القضاة الأحرار” –وهي الهيئة التي لم نسمع عنها من قبل- عن رفضها المشاركة في مراقبة الانتخابات القادمة (في حين أن المراقبة الحقيقة للصندوق تكون من قبل المواطنين وليس القضاة)؛ وهي المبادرة التي تشبه تماما ما قامت به نقابات القضاة في مصر خلال فترة الرئيس المصري
المنتخب ديمقراطيا محمد مرسي، التي أظهرت بسالة كبيرة في معارضة كل خطوة يقوم بها نحو الأمام، من أجل فقط إظهار عجزه السياسي أمام الشعب وتحضير الرأي العام للإطاحة به. هؤلاء القضاة هم الذين قاموا بعد ذلك بمهزلة المحاكمات الجماعية وإصدار أحكام الإعدام بالمئات دفعة واحدة، وهي الحالة التي لم تحدث إلا في مصر، أو في الإمبراطوريات القديمة المتوحشة.
المنتخب ديمقراطيا محمد مرسي، التي أظهرت بسالة كبيرة في معارضة كل خطوة يقوم بها نحو الأمام، من أجل فقط إظهار عجزه السياسي أمام الشعب وتحضير الرأي العام للإطاحة به. هؤلاء القضاة هم الذين قاموا بعد ذلك بمهزلة المحاكمات الجماعية وإصدار أحكام الإعدام بالمئات دفعة واحدة، وهي الحالة التي لم تحدث إلا في مصر، أو في الإمبراطوريات القديمة المتوحشة.
في حالة الجزائر، وبالعودة إلى الماضي القريب، نجد أن القضاة كانوا أحد الأسباب الذين أدخلوا البلاد العشرية السوداء بواسطة الإشراف على المحاكم الخاصة التي أججت الأزمة الأمنية آنذاك ودفعت البلاد إلى عشر سنوات من الحرب؛ ولم نسمع ولو صوت من قاضي واحد يعارض الإجراءات غير القانونية ويعلن استقالته أمام الرأي العام.
خلال مناسبة إعلان نادي القضاة عن موقفه، قال أحد القضاة أن السلطة كانت تتدخل في عملهم، يمكن أن يكون هذا صحيحا، لكن في نفس الوقت أشك أن السلطة حثتهم على أخذ الرشوة من المواطنين بمئات الملايين من أجل استرجاع حقوقهم المحفوظة بالقانون وليست بمزيّة القاضي.
التحول الديمقراطي الحقيقي يقتضي من القاضي أن يبقى بعيدا عن السياسة، لأن ذلك من متطلبات العدالة القضائية وهي الحياد أمام الخصوم؛ خاصة في حالة ما باشرت السلطة مكافحة الفساد. تورط القضاة في السياسة سوف يجعل عملية مكافحة الفساد انتقائية وانتقامية وتصفية حسابات بين المتصارعين على السلطة؛ ومن وراء ذلك تصبح العملية مصدرا لإنتاج عدم الاستقرار الأمني واحتراب الأهلي في البلاد.
الحياد السياسي من أجل تحقيق التحول الديمقراطي مطلوب أيضا في كل أولئك الذين يديرون مؤسسات الدولة الحيوية مثل الجيش والشرطة، لكن المفارقة المثيرة للاهتمام أن الكثير من الأصوات المدنية التي تحسب نفسها من الحراك الشعبي طالبت الجيش بالتدخل من اجل تفعيل المادة الدستورية حول شغور منصب الرئاسة؛ وأمس سمعت مديرة جريدة وطنية وهي من أشد المعارضين لبوتفليقة والمنادين بالحرية الإعمية، تطالب الجيش على قناة فرانس 25 التدخل من أجل إقالة الباءات الثلاث؛ إنه الإقحام المدني للجيش في السياسة ومن وراء ذلك عسكرة المجتمع.
إن مثل هذه المواقف والمطالب تحاكي إلى حد بعيد المشهد المصري عام 2012، والتي أنتجت في النهاية النزعة السيسية التي سيطرت على الدولة والمجتمع، ولعق الجميع من علقمها.