جولة ” بومبيو” الشرق أوسطية الاخيرة .. التداعيات والأهمية


اعداد : محمد فوزي – المركز الديمقراطي العربي
في إطار الترتيبات السياسية والأمنية التي تسعي الإدارة الأمريكية للتوصل إليها في الشرق الأوسط منذ وصول دونالد ترامب إلي الحكم ، جاءت جولة وزير الخارجية الأمريكي ” مايك بومبيو ” والتي استمرت بين يومي 19 و 23 مارس الجاري لتؤكد علي سعي الإدارة الأمريكية إعادة رسم ملامح السياسة الأمريكية في المنطقة بما يضمن تحقيق الأهداف التي شملتها استراتيجية الولايات المتحدة للشرق الأوسط في عهد ” ترامب ” والتي ترمي في محصلتها إلي إعادة رسم خريطة المنطقة وتوزيع الأوزان النسبية للقوي المتصارعة فيها .
تداعيات الزيارة :
  • زيارته للكويت :
كانت البداية من الكويت ، والتي تشاركها الولايات المتحدة صداقة كبيرة مبنية علي أساس تعزيز المصالح الأمريكية في المنطقة خاصة في مجالي الدفاع ومكافحة الإرهاب ، والتقي وزير الخارجية الأمريكي في الكويت بكبار المسئولين في نطاق ما عرف ب ” الحوار الإستراتيجي بين الولايات المتحدة والكويت ” .
وتعتبر الكويت بالنسبة للولايات المتحدة حليف استراتيجي في المنطقة من خارج دول حلف شمال الأطلسي ، ويوجد شراكة استراتيجية مهمة بين البلدين تلعب دورا هاما في مجالات الأمن ومكافحة الإرهاب ومواجهة التهديدات المشتركة ، وتوجد في الكويت عدة قواعد عسكرية أمريكية، منها قاعدة معسكر الدوحة: أهم القواعد الموجودة بالكويت، وتقع قاعدة “معسكر الدوحة” شمال غرب مدينة الكويت، على بعد 60 كم من الحدود مع العراق، وهناك أكثر من 10 آلاف جندي أمريكي متمركزين بها، بما فيهم القيادة المركزية لقوات الجيش الأمريكي — الكويتي وقوة المهام المشتركة، ويتمركز بها أفراد الفرقة الثالثة الأمريكية (مشاة). وحسب بعض التقارير — يتواجد في الكويت حوالي ألف من الجنود ومشاة البحرية إلى جانب أكثر من 1000 دبابة وعدة مئات من الطائرات المقاتلة والمروحيات.
وهناك معسكر عريجان: وهي قاعدة عسكرية أمريكية في الكويت يزيد عدد جنودها عن 9 آلاف جندي، وهو موقع مهم للقوات المسلحة الأمريكية لكل الأقسام مثل: قسم القوات الجوية الأمريكية  وقسم البحرية الأمريكية وقسم مشاة البحرية الأمريكية ومركز تدريب حرس السواحل الأمريكي، كما أن إنشاء معسكر عريجان وتمويله كان من حكومة الكويت والحكومة الأمريكية.
كما تضم الكويت عدة معسكرات أخرى تابعة للقاعدة الأمريكية: قاعدة “علي السالم” الجوية وتضم الفرقة الجوية رقم 386 إضافة إلى معسكر التدريب فرجينيا.
وعلي هامش الزيارة أشاد الوزير الأمريكي بالجهود التي تبذلها دولة الكويت والمشاركة الإيجابية لها في حل أزمات المنطقة، انطلاقا من أن وحدة دول مجلس التعاون تعد أساسية لضمان نجاح تحالف الشرق الأوسط الإستراتيجي “الناتو العربي” الذي يتم الحديث عنه لتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة ومواجهة النشاط الإيراني المزعزع للاستقرار.
  • زيارته لإسرائيل :
كانت وجهة بومبيو التالية هي إسرائيل ، فعقد بومبيو لقائه الرابع مع نتنياهو خلال أربعة شهور ، وأعلن نتنياهو علي هامش اللقاء أن هنالك تنسيقا تاما بين البلدين في كل ما يتعلق بمواجهة التمدد الإيراني في المنطقة ومحاولات طهران السيطرة علي سوريا ، وقال بأن إسرائيل  ترى في نفسها حرة بالمطلق في منع التموضع
الإيراني في سوريا، ولا توجد لها قيود. وأضاف: «سنواصل الضغط على إيران لمنعها من التموضع العسكري وإدخال الأسلحة الخطيرة إلى الأراضي السورية. لا يوجد حد لقوة الردع الخاصة بنا. فالضغط على إيران أثمر جهوده. سنوسع عملياتنا بالتعاون مع الولايات المتحدة حتى إبعاد إيران من المنطقة».
وفي خطوة تحاشي معظم المسئولين في الولايات المتحدة الإقدام عليها ، قام الوزير الأمريكي برفقة نتنياهو والسفير الأمريكي لدي إسرائيل ” ديفيد فريدمان ” بزيارة حائط ” البراق ” في القدس والذي تسميه إسرائيل ب ” حائط المبكي ” ، وهي خطوة تدل علي كسر حاجز التردد الذي كان ينتاب معظم المسؤلين الأمريكيين ، وعلي هامش زيارته لإسرائيل اجتمع ” بومبيو ” برفقة ” نتنياهو ” بكل من رئيس قبرص ” أنستاسياديس ” ورئيس وزراء اليونان ” أتسيبراس ” بهدف مد أنبوب الغاز الطبيعي من إسرائيل إلي كل من قبرص واليونان ومنهما إلي دول الإتحاد الأوروبي .
وهو الأنبوب الذي أطلق عليه نتنياهو ” East-Med Pipeline ” وذكر في تغريده له علي تويتر أنه سيفيد الأسواق الإقتصادية الإسرائيلية ويمنح الإسرائيليين الاستقرار والازدهار وسيساهم في تنويع موارد الطاقة لدي أوروبا .
  • زيارته للبنان :
اختتم بومبيو جولته بزيارة لبنان ، وهي الزيارة التي تأتي في إطار العديد من الزيارات التي استمرت علي مدار عام بدءا من زيارة قائد المنطقة الوسطى في الجيش الأميركي الجنرال جوزف فوتيل في كانون الثاني / يناير الفائت، ومن ثم زيارة مسؤولين اميركيين كان ابرزهم الديبلوماسيان ديفيد هيل وديفيد سترلفيلد، وكل تلك الزيارات كانت تهدف إلى تحريض واضح على حزب الله من خلال الضغط لمنع تولي الحزب وزارات وازنة على شاكلة وزارة الصحة وكذلك للتأكيد على العقوبات عليه وضرورة التزام لبنان بها”.
وخلال زيارته للبنان حذر من مخاطر حزب الله على أمن المنطقة واستقرارها. وندد بومبيو بأنشطة حزب الله المزعزعة للاستقرار .
والواضح من تصريحات بومبيو في لبنان وفي نهاية زيارته لإسرائيل والهجوم العنيف الذي شنه علي حزب الله هو أن هنالك رغبة من قبل الإدارة الأمريكية في دفع المسئولين اللبنانيين لمواجهة حزب الله ، ومحاولة استغلال الأزمة الإقتصادية التي تمر بها لبنان والأزمة المالية المستمرة في خزينة الدولة وارتفاع كلفة الدين العام إلي مستويات قياسية من الناتج المحلي الإجمالي ، من أجل إجبار المسئولين في لبنان علي عدم قبول أي هبات أو دعم أو مشروعات إيرانية أو روسية في لبنان في مقابل وعود أمريكية بمساعدات جديدة ، وهي المساعدات التي جرت العادة في السنوات الأخيرة علي اقتصارها بالنسبة للجيش اللبناني علي عربات نقل ومعدات لوجستية وتدريب وذخائر رشاشات ومدفعية ميدان، ما يعني عملياً اقتصار استخدامها لحفظ الأمن الداخلي من الخروقات الأمنية ، ووفق منطق بومبيو الذي يحاول الترويج له في زيارته، فإن على المسؤولين اللبنانيين استبدال عرضين إيرانيين بتأمين الكهرباء 24 ساعة في اليوم، وتقديم صواريخ دفاع جوي، بكميات متقطعة من ذخائر البنادق الرشاشة وحشوات المدفعية .
أمّا في ما يخص روسيا في لبنان، فتوصيات بومبيو تدعو من جهة إلى الامتناع عن قبول أيّة هبة أو مساعدة عسكرية روسية، أي عملياً احتكار التسليح للجيش اللبناني، بالإضافة إلى التحريض ضد حزب الله من زاوية أن سلاحه يشكل خطراً على أمن لبنان، وأنه من غير المقبول أميركياً استمراره بالصورة التي كان عليها في السنوات الماضية .
ومن جهة ثانية فهي تجهد لمنع تنفيذ المبادرة الروسية لإعادة النازحين السوريين إلى بلدهم .
أهم الملفات التي استهدفتها الجولة :
1- ملف مكافحة الإرهاب :
أكد بومبيو في زيارته علي السعي الحثيث للولايات المتحدة لمكافحة الإرهاب ، انطلاقا من استراتيجية الولايات المتحدة للأمن القومي والتي أشارت إلي أن التنظيمات الإرهابية تمثل أحد أهم التهديدات العابرة للحدود التي تواجهها الولايات المتحدة ، وأن تهديد الجماعات الإرهابية هو أخطر ما يهدد الأمة الأمريكية ، وحتي بعد هزيمة ” داعش ” لازال خطر الإرهابيين موجودا ومستمرا ، خاصة أنه من المرجح عودة هؤلاء الإرهابيين إلي بلدانهم الأصلية والاستمرار في وضع خطط لشن هجمات تهدد أمن واستقرار الولايات المتحدة .
2- مواجهة التمدد الإيراني :
تتبني إدارة الرئيس ” ترامب ” مواجهة ما يسمي بالدول المارقة ، والتي تضع إيران علي رأسها ، اذ أن وثيقة ” استراتيجية ” الأمن القومي الأمريكي ” الصادرة في ديسمبر 2017 حددت إيران كمصدر للعنف وعدم الاستقرار ، كما أن ” استراتيجية الدفاع القومي الأمريكية ” خصت إيران بأنها أكبر تحد للاستقرار في الشرق الأوسط ، وهو ما يفسر التصعيد المستمر من قبل الادارة الأمريكية بحق النظام الإيراني والتضييق علي أذرعه ووكلائه والدول التي تتعاون معه ، ف لم تعد واشنطن تحصر الخلاف مع طهران في إطار الاتفاق النووي ، وإنما أصرت علي توسيع نطاق تلك الخلافات لتشمل الدور الإقليمي لإيران ، والبرنامج الصاروخي ، ودعم الإرهاب .
3- تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي ” الناتو العربي ” :
فانطلاقا من قناعة ” ترامب ” بضرورة أن يتحمل حلفاء الولايات المتحدة أعباء الدفاع عن أمنهم القومي وهو ما يرتبط لديه بمفهوم بناء تحالفات إقليمية تسهل من الدور الأمريكي في الدفاع عن هذه الدول ، تبلورت فكرة ” الناتو العربي ” وهو التحالف الذي تعتبره الإدارة الأمريكية وسيلة لبناء قدرات دول الخليج في مواجهة إيران دون الحاجة إلي تدخل الولايات المتحدة ودون أن تحل التدخلات الروسية أو الصينية محل التدخل الأمريكي في هذا الإطار ، وبالتالي وفي إطار سعي الولايات المتحدة لتشكيل هذا التحالف في المنطقة فإنها تضع أزمة قطر مع جيرانها في دول مجلس التعاون الخليجي على قائمة أولويات سياساتها الخارجية في المنطقة بدعم الوساطة “الرسمية” لدولة الكويت وضرورة التوصل إلى تسوية لضمان وحدة دول المجلس في مواجهة التحديات المشتركة.
4- التأكيد علي تبني مواقف اليمين الإسرائيلي :
فزيارة بومبيو لحائط البراق جاءت كاستمرار لسياسات أكثر تحيزا تجاه إسرائيل من قبل إدارة ترامب منذ وصوله إلي سدة الحكم ورؤيته التي تتقاطع بشكل كبير مع اليمين الإسرائيلي ، بدءا من قراره الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلي القدس ، وسحب الاعتراف بقضية اللاجئين من خلال وقف تمويل الوكالة الدولية لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين ، ومرورا بالموافقة علي قانون ” الدولة القومية ” الذي أصدره الكنيست ، والانسحاب من مجلس حقوق الإنسان التابع لمنظمة الأمم المتحدة بسبب ما وصفته الإدارة الأمريكية ب ” التحيز المزمن ” ضد إسرائيل ، واتخاذ إجراءات عقابية وتضييق علي السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير التي تم غلق مكتبها في واشنطن والحسابات المصرفية لها ، وصولا إلي آخر هذه السياسات الفجة المتمثلة في الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية علي الجولان السوري ،  وهو القرار الذي سعت جماعات الضغط المؤيدة لإسرائيل (اللوبي) في كل حدبٍ وصوب آملًا في انتزاعه ، وعلي رأسهم: “مورتون كلاين” الرئيس الوطني للمنظمة الصهيونية الأمريكية ، فكان لهم ذلك من خلال “الإعلان التنفيذي الرئاسي” الأمريكي Proclamation الذي صدر عن الرئيس الأمريكي رونالد ترامب في 25 مارس 2019، والذي يعترف بالقرارات والإجراءات الإسرائيلية الجائرة بخصوص الاحتلال العسكري الإسرائيلي لهضبة الجولان السورية المحتلة في يونيو 1967، ثم قرار الكنيست الإسرائيلي الجائر بضم  الجولان المحتل إلى إسرائيل في ديسمبر 1981 .
في النهاية سوف تشهد منطقة الشرق الأوسط سياسات متصاعدة خلال ما تبقي من فترة الرئيس ترامب في سياق ما يعرف بصفقة القرن ، متمثلة في سياسات إجرائية تطبق بشكل متتالي علي أرض الواقع لحفظ الأمن الإسرائيلي وهو ما يعتبر أهم محددات السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط .
تعليقات