الأمن الخليجي: مصادر التهديد واستراتيجية الحماية |
الأمن الخليجي: مصادر التهديد واستراتيجية الحماية (تحميل كتاب مجاني بصيغة pdf)
د.عبد الفتاح علي السالم الرشدان
يعالج الكتاب إحدى "الإشكاليات المركَّبة التي تُهدِّد دول الخليج"؛ ممثَّلةً في ضعف قدرة "مجلس التعاون الخليجي" منفردة، وكذلك مجتمعة في إطار المجلس، على توفير الحماية لأمن دوله أو لأمن الإقليم واستقراره، وذلك في منطقة شهدت خلال العقود الثلاثة الماضية مشكلات وأزمات وتهديدات متنوعة ومتعددة، وما زالت تواجه الكثير منها حتى اليوم؛ فمن حروب مختلفة إلى محيط مضطرب يؤثِّر بعضه على بعض، ومن خلافات وأزمات متنوعة سياسية واقتصادية وحدودية إلى انكشاف في الموارد والأمن المجتمعي، ومن ضعف في إدارة العلاقات مع الغير إلى أعباء مادية وفواتير باهظة وضاغطة على النفس بحثًا عن أمن مفقود.
وفي هذا السياق، يلاحظ الدكتور "عبد الفتاح علي السالم الرشدان" في إصداره الجديد "الأمن الخليجي: مصادر التهديد واستراتيجية الحماية"، عن مركز الجزيرة للدراسات في أكتوبر/تشرين الأول 2015، أن كل هذه الأزمات والتهديدات تحدث في منطقة تتميز بموقع مهم في موارده وثرواته واستراتيجياته؛ بل إنها إحدى أهم المناطق الاستراتيجية في العالم، ويتفاعل أمنها مع أمن مناطق حيوية أخرى: أمن البحر الأحمر وأمن البحر الأبيض المتوسط، وأمن الممرات الاستراتيجية بين الشرق والغرب، كما يتحكم أمنها بمدى استمرار تدفق النفط وتزايد أهميته كسلعة استراتيجية، ومع كل هذا فإن الخليج العربي ما زال يبحث عن قدر من الاستقرار والثقة في المستقبل.
لذلك، فإن الحديث عن "أمن الخليج" بشكل متكامل يقتضي، في نظر المؤلف، الإشارة إلى مجموعة من المتغيرات التي أسهمت في وصول الأوضاع الأمنية في الخليج إلى الحال التي يعيشها اليوم:
إن أهم الأحداث التي أثَّرت بصورة سلبية على أمن الخليج وأمن الدول المطلَّة عليه هو "الغزو العراقي للكويت في 2 أغسطس/آب عام 1990"، وما تلاه من تداعيات وانعكاسات سلبية مختلفة وشائكة، وما أحدثه من تحولات في المنطقة العربية كان أبرزها التحول الذي حصل في رؤية دول الخليج لمصادر التهديد واهتزاز الثقة بين الدول العربية بعضها ببعض.
نتيجة لصغر حجم معظم دول الخليج وقلَّة عدد سكانه وإمكاناته العسكرية، وبالتالي عدم قدرته الذاتية على حماية أمنه واستقراره وثرواته، قام بالبحث عن مصادر وقوى خارجية للدفاع عن أمنه في حالة تعرضه للخطر وحتى قبل تعرضه للتهديد.
نتيجة لما اتسم به الموقف العربي من تراجع، وما شابه من انقسام بشأن مواجهة العراق بعد احتلال الكويت عام 1990، أصبح البديل العربي الذي يمكن الاعتماد عليه والاستعانة به لحماية دول الخليج بعيدًا عن الثقة والضمان؛ مما يعني أن الاستعانة بالقوى الأجنبية، وخاصة الولايات المتحدة الأميركية والدول الأوروبية، باتت البديل المرغوب والممكن.
في ضوء التجربة التي مرَّت بها دول مجلس التعاون الخليجي فإن أمنها لا يمكن أن يتحقق من خلال "الردع العسكري" فقط، وإنما هناك أبعاد مختلفة لابد وأن تؤخذ بعين الاعتبار، لاسيما على المستوى الداخلي، والمتمثلة في الأبعاد السياسية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها التي يؤثِّر بعضها في بعض محليًّا وإقليميًّا وحتى عالميًّا.
إن الأمن الإقليمي للخليج، وخاصة دول مجلس التعاون الخليجي، لا يمكن النظر إليه بمعزل عن الأمن القومي العربي؛ لأن الخليج ونظامه الإقليمي جزء من النظام الإقليمي العربي في إطاره الأوسع ويرتبط ويؤثر ويتأثر به سلبًا أو إيجابًا، ومن ثم صعوبة، إِنْ لم يكن استحالة، فكِّ الارتباط بينهما.
إن أمن دول مجلس التعاون الخليجي شهد مزيدًا من حالة عدم الاستقرار والتصدع بسبب إصرار إيران الجارة التاريخية على امتلاك السلاح النووي، وخاصة بعد تزايد نفوذها في العراق وسوريا ولبنان واليمن، وتنامي رغبتها في الهيمنة والاضطلاع بدور قيادي في المنطقة.
وهنا، تكمن إشكالية الدراسة في "ضعف قدرة دول مجلس التعاون الخليجي منفردة، وكذلك مجتمعة في إطار المجلس، على توفير الحماية لأمن دوله أو لأمن المنطقة واستقرارها"، ومما يزيد الأمور تعقيدًا عدم وجود تنسيق عربي-خليجي مشترك بخصوص توفير هذا الأمن وحمايته؛ مما استدعى الاعتماد على القوى الخارجية الأجنبية، وخاصة الولايات المتحدة الأميركية التي أثبتت الخبرة الأمنية والسياسية طيلة العقود الثلاثة الماضية فشلها وعدم قدرتها على السيطرة على الأوضاع الأمنية بما يوفر الاستقرار والأمن لدول الخليج، إضافة إلى أن التوترات والأزمات أخذت بالازدياد والتعقيد في السنوات الأخيرة بسبب السياسة الأميركية التي تتسم بالتدخل في شؤون المنطقة والعبث بمقدَّراتها والتغيير في تحالفاتها والعمل على تحقيق مصالحها المختلفة بعيدًا عن تحقيق الأمن لدول مجلس التعاون الخليجي، وبقاء أمنها مكشوفًا وعُرْضه لمزيد من التهديدات والتوترات، وبالتالي فإن الدراسة سوف تحاول معالجة هذا الموضوع من خلال مناقشة وتحليل جميع المصادر والعوامل والمتغيرات التي تؤثر في أمن الخليج واستقراره على المستويين الداخلي والخارجي.
وتأتي أهمية الدراسة من كونها "تبحث في جميع أسباب ومصادر التهديد في مستوياته المختلفة: الداخلية والإقليمية والدولية"، وتسعى إلى معالجة واحدة من أهم القضايا التي تحظى باهتمام كبير في المنطقة العربية والعالم، وهي قضية الأمن الإقليمي للخليج العربي؛ باعتباره من أكثر المناطق حيوية وسخونة وعُرضة للانفجار عند أي منعطف حاد بسبب تعدد مصادر التهديد وتشابكها، وما يمكن أن تتركه من انعكاسات وتداعيات سلبية متنوعة. فالأمن الإقليمي لدول مجلس التعاون قضية حيوية تتجاوز أهميتها حدود دوله، فقد دخلت قوى كثيرة للحفاظ على مصالحها، وزادت الوضع الأمني تعقيدًا.
وتهدف الدراسة إلى:
التعريف بمفهوم الأمن وأمن الخليج العربي وعلاقته بالأمن القومي العربي.
تحديد مصادر التهديد لأمن دول مجلس التعاون الخليجي بمستوياتها وأبعادها المختلفة.
البحث في الآفاق المستقبلية لأمن دول مجلس التعاون الخليجي واستراتيجية حمايته.
ولمعالجة هذه الإشكالية المعقدة والمركبة استخدم الباحث منهجًا مُركَّبًا أيضًا ينحو باتجاه التكامل والشمول بعيدًا عن التفسير الأحادي الجانب؛ ذلك أن معضلة الأمن في منطقة الخليج يجب أن تأخذ الأبعاد المتعددة بتشابكاتها وتعقيداتها المختلفة التي يصعب فيها الفصل بين ما هو داخلي وما هو خارجي، وما هو سياسي أو اجتماعي أو اقتصادي، حتى تستطيع الدراسة أن تُقدِّم تفسيرًا شاملًا لمعضلة الأمن الخليجي واستشراف أخطارها والفرص المتاحة لمعالجتها.
لهذا الغرض استعان الباحث أيضًا بمنهج "التحليل الاستراتيجي"/التحليل الرباعي الذي تسمح مرتكزاته بتشخيص مشكلة الدراسة وعرض جوانبها وأبعادها المختلفة وصولًا إلى الاحتمالات المستقبلية المتوقعة من خلال:
تحليل الوضع الداخلي (نقاط القوة والضعف): والذي يجب أن يقتصر على ما هو حقيقي وقائم على أرض الواقع من نقاط قوة وضعف وأن يبتعد التحليل عن التوقعات والاحتمالات.
نقاط القـوة: الإمكانيات الداخلية الذاتية التي تسهم في استغلال الفرص المتاحة والممكنة في دول المجلس لمكافحة التهديدات التي يتعرض لها أمن دول مجلس التعاون الخليجي.
نقاط الضعف: وهي ظروف وعوامل النقص الداخلية التي تعوق القدرة على استغلال الفرص للحفاظ على الأمن القومي لدول مجلس التعاون الخليجي.
تحليل البيئة الخارجية (الفرص والتهديدات): يأخذ بعين الاعتبار الوضع الفعلي والحقيقي للتهديدات الموجودة والفرص غير المستغلة من ناحية، كما يُحلِّل التغيير المحتمل في كلٍّ منهما من ناحية أخرى، بما يسهم في حماية أمن دول المجلس وتدعيم قدرتها على مواجهة المخاطر والتحديات الخارجية والتخفيف من حدَّة تأثيرها على الأوضاع الداخلية.
الفـــرص: أية ظروف أو عوامل خارجية ذات أثر إيجابي تمكِّـن أو تهيئ الفرصة لتدعيم القدرات الأمنية والعسكرية لدول مجلس التعاون الخليجي وتُعزِّز من قدرتها على حماية أمنها الإقليمي.
التهديــدات: أية ظروف أو اتجاهات خارجية قد تؤثِّر سلْبًا أو أثَّرت بشكل سلبي؛ وهي عامل خطر أو قد تكون مصدر قلق وتوتر أمني على الصعيدين الداخلي والخارجي لأمن دول المجلس.
وفي ضوء ما سبق قسَّم الباحث الكتاب إلى "ثلاثة فصول"، خصَّص أولها للتعريف بأمن الخليج العربي وعلاقته بالأمن القومي، ومناقشة مفهوم الأمن بشكل عام والنظريات المختلفة التي تناولت هذا المفهوم بالشرح والتحليل، كما تم تحديد مفهوم الأمن القومي العربي بأبعاده المختلفة، ومفهوم أمن الخليج وبشكل خاص أمن دول مجلس التعاون الخليجي، وتبيان العلاقة الوطيدة التي تربط أمن دول مجلس التعاون الخليجي بالأمن القومي العربي.
وتناول الباحث في الفصل الثاني مصادر تهديد أمن دول مجلس التعاون الخليجي، والتحديات المختلفة التي تواجه أمن دول المجلس، وذلك بصورة كلية تضمنت عرض وتحليل مصادر التهديد والتحديات محليًّا وإقليميًّا ودوليًّا، ومناقشة أنواعها وأبعادها وعلاقاتها الارتباطية وتأثير كل مستوى على الآخر.
أمَّا الفصل الثالث الذي يُعالج مستقبل أمن دول الخليج واستراتيجية حمايته، فيرصد فيه الباحث أهم الأزمات والمشكلات الأمنية التي واجهها -ولا يزال- أمن دول مجلس التعاون الخليجي، وتشكِّل تهديدًا حقيقيًّا لأمن الخليج والمنطقة العربية والعالم، كما تم عرض واستشراف السيناريوهات المحتملة التي يمكن أن تواجه دول مجلس التعاون الخليجي، وسُبُل حماية ودعم وتطوير أمن دول المجلس.