تداعيات أزمة "فيروس كورونا": هل يشهد العالم حربا طبية؟

 طب الحروب ايطاليا طب الحروب بالانجليزي طب الكوارث طب الكوارث المبادئ الشاملة والممارسات موضوع انشاء عن الحروب أنواع الحروب الأربعة آثار الحروب على الأطفال أضرار الحروب على البيئة الحروب عبر التاريخ شعر عن الحرب والدمار
تداعيات أزمة "فيروس كورونا": هل يشهد العالم حربا طبية؟

شهد العالم على مدار تاريخه الطويل حروباً وصراعات ذات طبيعة متعددة: سياسية واقتصادية وتجارية وعسكرية ودبلوماسية؛ ولكنه ربما لم يشهد من قبل ما يمكن تسميته الآن الحرب الطبية أو الصحية؛ حيث تتنافس الدول بل وتتصارع للسيطرة على المواد الطبية عبر البحار والحدود؛ ما يثير أسئلة حول القيم الإنسانية، التي قد تنعدم في بعض الأوقات العصيبة. كيف؟

وضع "فيروس كورونا المستجد المعروف علمياً بـ «كوفيد-19»"، دول العالم أمام حقائق مهمة وبعضها مرعبة؛ ربما ما كانت لتظهر لولا طبيعة هذا الفيروس، الذي يعد أكبر تحدٍ يواجه البشرية منذ الحرب العالمية الثانية، وربما قبل، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار طريقة انتشاره وانتقاله وعدواه، وبالطبع تأثيراته على مختلف جوانب الحياة في كل بقاع الأرض من دون استثناء؛ حيث غيّر كيان العالم بالفعل؛ وربما يترك آثاراً طويلة الأمد على مستقبله.





ولعل من أهم ما كشف عنه هذا الفيروس الخطير هو مدى "عجز القطاعات الصحية والطبية في العديد من دول العالم إن لم يكن كلها تقريباً"؛ حيث أظهر عدم جاهزية حتى أكثر الدول المتقدمة طبياً للتعامل مع هذا المستجد، ليس لنقص في الكوادر، كما قد يكون متوقعاً، ولكن لعدم توافر المواد الطبية اللازمة للتعامل مع هذا المرض ومنها الكمامات، والأهم بالطبع وأكثرها حيوية أجهزة التنفس الاصطناعي؛ فالأولى مهمة لمنع العدوى وتفشي الوباء، والثانية حيوية وحاسمة في إنقاذ الحياة خاصة في الحالات الحرجة التي يكون هذا الجهاز هو المنقذ فيها لحياة الإنسان أو بالأحرى آخر وسيلة يمكن أن يقوم إليها الطبيب لإنقاذ حياة المريض بعد أن يستنقذ كل الأدوات وطرق العلاج المتوافرة والممكنة. فمنذ بداية تفشي الفيروس خارج الصين، بدأ الطلب يزداد على الكمامات، وسط الحديث المتكرر عن ضرورتها للحماية من العدوى؛ وفي غضون أيام نضبت ليس من الصيدليات فقط، أماكن بيعها الطبيعية، ولكن أيضاً من الأسواق كلها؛ حيث أصبحت تُباع حتى في البقالات؛ وبدأ الناس يتهافتون على الإنترنت لشرائها.





ومع تفشي المرض في "أوروبا والولايات المتحدة" وصعوده إلى أرقام قياسية أصبحت الحاجة ملحة إلى الملايين منها؛ وفي الوقت نفسه ومع تزايد عدد الحالات الحرجة بدأت الحاجة ماسة أيضاً لأجهزة التنفس الاصطناعي خاصة في الدول التي شهدت معدلات وفيات عالية كإسبانيا وإيطاليا والولايات المتحدة؛ وهو ما دفع بعض الدول لاتخاذ إجراءات غير مسبوقة مثل تفعيل «قانون الإنتاج» في الولايات المتحدة لإجبار الشركات على إنتاج هذه الأجهزة. ولأن الكثير منها يصنع في الصين فقد بدأت الدول تطلب كميات من هناك، كما بدأت المصانع في عدد من الدول التي توجد فيها إمكانات الإنتاج سباقاً مع الزمن لتصنيع هذه الأجهزة؛ وفي ظل تصاعد الأرقام التي تبدو كالمتوالية الهندسية، بدأت الدول تلجأ إلى أساليب أشبه بالقرصنة؛ حيث اتهم مسؤولون ألمان الولايات المتحدة بمصادرة كمامات كانت متوجهة إلى ألمانيا؛ ما اعتبره بعضهم قرصنة. كما اتخذت العديد من الدول قرارات بمنع تصدير أجهزة التنفس الصناعي إلى خارجها؛ مع أنها تعد أيضاً سلعة لا يجوز منعها عن أي محتاج إليها.

ولكن كل هذا يظهر أن الدول أحياناً تتصرف بشكل أناني؛ ما يقوي من وجهة نظر "الواقعيين في العلاقات الدولية" الذين يقولون إن الدول تتصرف وفق مصالحها الضيقة، ولا وجود للقيم في حساباتها. وقد تبدو هذه نظرة مبالغ فيها؛ والحقيقة أن هذا الأمر يتعلق ببعد أوسع من هذا المنظور؛ وهي الطبيعة البشرية؛ والتي تحيلنا إلى العالم النمساوي، "سيجموند فرويد"، أبو علم النفس، الذي بنى نظريته للتحليل النفسي على العقل الباطن (اللاشعور)؛ وقال إن غرائز الإنسان تتحكم بتصرفاته؛ حيث تسيطر حالة «الأنا» وأحياناً ما سماه «الهو» التي يسعى فيها لإشباع حاجاته، بغض عن المعايير أو الأخلاق التي يمثلها «الأنا الأعلى»؛ وهنا يصبح الهدف الأول للمرء أن يشبع غريزته في الحياة وينقذ نفسه، وهذا قطعاً حقه، ولكن ليس على حساب حياة وحقوق الآخرين.



تعليقات