قوة الساحل الخماسية ظهير للحملة الصليبية بالصحراء الكبري

www.elsiyasa-online.com
قوة الساحل الخماسية ظهير للحملة الصليبية بالصحراء الكبري

السفير بلال المصري 
تمثل الصحراء الكبري نطاق صراع مُحتدم ومُمتد يستحق بذل بعض التضحيات وإطلاق مجموعة مُنسقة من الأكاذيب من قادة القوي الدولية الكبري بلا إستثناء خاصة الخمس دائمي العضوية بمجلس الأمن الدولي , وهذا الصراع له ما يبرره لدي هؤلاء وغيرهم فمنطقة الصحراء لمن لا يعرف بها كتلة إسلامية تنطلق منها المعارضة الوحيدة المُسلحة للوجود العسكري لهذه القوي الذي أحد أسبابه حراسة والإحاطة بما تذخر به الصحراء الكبري من موارد أهمها الطاقة الشمسية – كما سيلي بيانه لاحقاً – وهذه الجماعات الإسلامية المُسلحة أو  “الجهاديين ” وهو مصطلح رغم نقاؤه وطهارته لوثه الإعلام الغربي عمداً وأستنسخه إعلامنا العربي السفيه منهم كما هو , أما المبرر الآخر فهو أن هذه القوي الدولية تناصب الإسلام الجهادي والفقهي عموماً العداء المُستحكم وتبني علي هذا المفهوم العدواني بنياناً من المفاهيم المُطلقة منها مفهوم ” الإرهاب الإسلامي” رغم أنهم يعلمون يقيناً أن العلاقة السببية ليست بين الإرهاب والإسلام , وإنما بين الإسلام والطغيان والإستبداد والفقر الذي أحد أهم أسبابه تولي بعض المُتعطلين والمعوقين ذهنياً سدة الحكم في بلادنا الإسلامية نتيجة عمليات إنتخابية لا تتسق أبداً مع المعايير الدولية , وكما أن حصول شعوب الصحراء الكبري علي حقهم في الحياة والإستفادة بمواردهم الأولية في سماءهم وفي أراضيهم وتحتها أمر بات مُستحيلاً أو كأنه كذلك , بسبب عمليات النهب المنظم لهذه الموارد بعقود شراء غير عادلة بالمرة , لذلك كان من المنطقي أن يُولد إتجاه مُقاوم لهذا الظلم البين بالوسائل المتاحة , ففرنسا القوة الإستعمارية السابقة لهذه المنطقة أعطت لنفسها الحق في حمل السلاح مُجدداً في القرن الواحد والعشرين بموافقة سفهاء أذلاء لا كرامة لديهم يحكمون وهم محكُومون من ولاة أمورهم في عواصم القوي الدولية الكبري لمجرد أن هناك من يرفضهم رفضاً , ولهذا لم يكن غريباً أن ينطق بالحق المبعوث الإيطالي للشرق الأوسط Maurizio Massari خلال زيارته لبعض دول الخليج العربي عندما دشن في الإمارات العربية ضمن تصريح له بتاريخ 9 أبريل 2012 أدلي به لصحيفة The National ولأول مرة  مفهوماً جيوبولتيكي أوضح فيه وبجلاء الأهمية العظمي التي توليها الآن ومستقبلاً أوروبا للصحراء الكبري وهذا المُصطلح هو “البحر الأبيض المتوسط العظيم ” أو Greater Mediterranean Region , وهو مُصطلح لم يكرره مسئول أوروبي فيما بعد , لكنه علي أي الأحوال كاشف عن الإجابة علي سؤال رئيسي هو :
  • لماذا قوة الساحل الخماسية أو G5 Sahel ؟
وهو ما يمكن إيضاحه فيما يلي :
” لا يمكننا أن نتخيل حل الأزمة في منطقة الساحل من خلال العمل العسكري  فقط ” هكذا قال وزير أوروبا والشئون الخارجية الفرنسي Jean-Yves Le Drian في تصريح له نشره موقع GEOPOLISl AFRIQUE في الأول من يوليو 2017 , لكن الواقع يشير إلي عكس ذلك إلي حد بعيد , فالجهد الدبلوماسي الفرنسي علي مستوي مجلس الأمن الدولي وكذلك الثنائي كان مُركزاً علي إنشاء قوة الساحل الخماسية أو G5 Sahel المكونة من تشاد والنيجر ومالي وموريتانيا وبوركينافاسو وهي التي أعلن عنها – من بين قادة آخرين – الرئيس الموريتاني في ديسمبر 2016 لمواجهة “الجهاديين” , وبالتالي ووفقاً للعرض التالي للموضوع فلن يكون بوسع المرء أن يتصور أن هناك حيزاً ما لعمل غير العسكري لحل ما يحاول الفرنسيين أن يحملوا البعض والآخرين حملاً علي الإعتقاد فيه وهو أن هناك أزمة أمنية كالتي يروجون لها بهذه المنطقة  , فهذه الأزمة الإفتراضية ناشئة عن رفض جماعة أو قل جماعات مُسلحة للوجود العسكري الفرنسي الحارس علي إبقاء المصالح الفرنسية مُصانة ومتنامية علي حساب الإقتصاديات الوطنية لشعوب المنطقة , والتي وللأسف يقوم بدور مساند لعمليات النهب الفرنسية تلك قادة هذه الدول الحاليين والمُنتخبين بواسطة عمليات ديموقراطية مُشوهة ومُبتسرة وغير بعيدة عن أيدي أجهزةالمخابرات الفرنسية ومنها المكتب الثاني Deuxième Bureau de l’État-major general  , ولذلك فالجهد الفرنسي المحموم لإنشاء هذه القوة بقدر ما هو مُعبر عن أهميته لتحقيق الجزء المخفي لإسترتيجية أو سياسة Françafrique  بقدر ما هو مُعبر كذلك عن الروح العسكرية الكامنة وراء سياسة فرنسا الأفريقية والتي تترجمها إتفاقيات وبروتوكولات الدفاع والتعاون العسكري المختلفة والمُوقعة بين فرنسا وما لا يقل عن 26 دولة أفريقية , وقد رأيت أنه من الضروري لنا في العالم العربي خاصة الذي بالجزء الواقع جغرافياً بشمال القارة الأفريقية أن يعي أن هناك حملة عسكرية ضارية تقودها فرنسا بالتنسيق المباشر مع القيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا AFRICOM وبمشاركة دول أوروبية ينحدر قادتها فكرياً وثقافياً إلي قادة الحروب الصليبية بالشرق العربي الذين واجههم ملوكنا وأمراءنا بشراسة وردوهم علي أعقابهم , هذه الحملة تستهدف نفس الأهداف التي كانت للحروب الصليبية في العصور الوسطي : الثروات والموارد والدين , وهذه المرة تقع هذه الحملة وراء ظهر العالم العربي في إمتداده المُهمل جهلاً بالصحراء الكبري وهناك تواجه بدون معين من الجوار العربي شعوب هذه المنطقة المُنتمية لنفس الدين الذي يعتنقه العرب , هذه الحملة “الصليبية” الجديدة , فهذه الجماعات المُسلحة التي بالصحراء الكبري عليها أن ترضخ كما رضخ قادة دول الصحراء الكبري الأربع : تشاد والنيجر ومالي وموريتانيا “لشرط الأسد” الوارد بعقود الشراء البخس التي تنهب من خلالها فرنسا موارد هذ ه الدول وهذه  الجماعات تنتمي لشعوب مُسلمة يتآمر قادتها مع أعداءها .
لا شك أن هناك حالياً حملتان صليبيتان بينهما الكثير من أوجه التشابه واحدة منهما بالشرق الأوسط والثانية موضوع هذه الدراسة بالصحراء الكبري , ومن بين مظاهر هاتين الحملتين تطابق وجهات النظر ما بين حكام الشرق الأوسط وقادة قوة الساحل الخماسية أو G5 Sahel فيما يتعلق بالصفة التشريحية لما يصفونه  “بالإرهاب” وهو ما يترتب عليه الكثير سياسياً وعسكرياً , وكما حاولت الولايات المتحدة إقامة منظمة الدفاع عن الشرق الأوسط لمحاربة الإرهاب بالشرق الأوسط وفقاً لما تردد في الإعلام (موقعMiddle East Eye في 2 مارس 2017) لكنها أخفقت في محاولتها , حاولت فرنسا لكنها حتي الآن تحرز نجاحاً ملحوظاً في تحالف خماسي بدول بالصحراء الكبري من خلال إقامة قوة الساحل الخماسية أو ما يُطلق عليه G5 Sahel , وهو تطور كما أشرت خطير لأنه لن يهدد شعوب منطقة الصحراء فحسب بل يهدد الجزء الأفريقي من العالم العربي , أفلا يعد إقتراب وتمركز ثلاث ترتيبات عسكرية مدعومة من فرنسا والقوي الكبري من حدود دول عربية واقعة في الشمال الأفريقي نذيراً بتهديد ؟ فنطاق الصحراء الكبري ليس كما أشاع خبراء الجغرافيا السياسية نطاق فصل بين العالم العربي ودول الصحراء الكبري الأربع (تشاد والنيجر ومالي وموريتانيا ) بل هو نطاق وصل وتماس وليس حائط مانع مع العالم العربي كما روجت زمناً الجغرافيا السياسية الأوروبية التي أطلقت مُسمي Afrique Subsaharienne علي هذا النطاق , إلي أن إعترف الإتحاد الأوروبي في إستراتيجيته الأمنية والإقتصادية (الطاقوية علي نحو خاص) وإن بصفة غير مباشرة بحقيقة إتصال وتداخل شعوب وجغرافيا وإقتصاديات الصحراء الكبري مع العالم العربي وتأثير ذلك علي دوام مصالحها , بدليل دخول موريتانيا عضواً في قوة الساحل الخماسية وبدليل القلق والخشية المُفترض أن تشعر بها كل من الجزائر والمغرب نتيجة إقامة هذه القوة فجنوب الجزائر مثلاً والذي يعتبر بالنسبة لجسم الجغرافيا الجزائرية بمثابة البطن مُعرض لمخاطر إقتراب العسكريتين الفرنسية والأمريكية منها  .
أُعلن لأول مرة في ختام قمة ضمت رؤساء موريتانيا والنيجر وتشاد ومالي وبوركينافاسو بنواكشوط في 16 فبراير 2014 عن الحاجة لإقامة قوة لمواجهة “الإرهاب” , وكان هناك قدر كبير من التنسيق بين كل من النيجر وموريتانيا لتحقيق هذه القوة علي الأرض ,وأقرت هذه القوة بموجب إتفاقية وُقعت في 13 ديسمبر2014 تضمنت الإشارة إلي أن هدف القوة هو تقوية الإرتباط فيما بين التنمية الإقتصادية والأمن ومواجهة دول المجموعة الخمس ” لخطر” تهديد “الجهاديين” بالمنطقة وعلي رأسها القاعدة والمرابطين وBoko Haram و حركة التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا  MUJWA , ثم وفي نوفمبر 2015 في  N’Djamena عاصمة تشاد تكررت الدعوة لإنشاء قوة لمواجهة  “الإرهاب” لكنها لم تتحقق مادياً , لكن وفي نوفمبر من عام 2017 وبدعم وتأييد فرنسا لهذه القوة , أعلن وزير الخارجية الفرنسي Jean-Yves Le Drian عن أن العسكرية الفرنسية ستتعاون مع مالي والنيجر وبوركينافاسو وتشاد وموريتانيا في مسعي منها لإقامة قوة الساحل الخماسية G5 Sahel التي من المُفترض أن قوامها 5,000 جندي مهمتها مواجهة التهديد المُتنامي للجماعات “الإرهابية” و“المُتشددة” , والتي تقرر لاحقاً أن يكون مقرها في بلدة Sévaré بمنطقة Mopti Region بوسط مالي بين منطقتي الشمال وبها معظم طوارق وعرب مالي وبين منطقة جنوب مالي التي تعيش بها معظم القبائل الأفريقية وكان أول تمركز لكتيبة من هذه القوة الخماسية في أول أكتوبر 2017 علي أن يكتمل إنتشار باقي الكتائب ميدانيا في مارس 2018, وتقود فرنسا مُستخدمة نفوذها الدبلوماسي والتبعية الإقتصادية والعسكرية لمستعمراتها السابقة لها بغربي أفريقيا لإقامة هذه القوة ليس لمجابهة ” الجهاديين “و” المُتطرفين ” بإعتبارهم إرهابيين كما تدعي هي وتوابعها , وإنما لمجابهة “معارضين” للنهب والهيمنة الفرنسية علي مقدرات وموارد دول منطقتي الساحل والصحراء  , وليس ذنبهم أنهم مسلمين , فلو أي من بني البشر حاولت دولة أخري نهب وإحتلال بلاده لأمتشق السلاح وهاجمها وهي تحاول ذلك , وهو ما فعلته المقاومة السرية الفرنسية بعد إحتلال النازي لفرنسا , ولم يجرؤ أحدهم وصم هذه المقاومة بالتطرف أو الإرهاب فهو حقها الأصيل , ربما من فعل ذلك من الفرنسيين حكومة أو نظام فيشي Régime de Vichy , والقاسم المُشترك بين رؤساء دول وحكومات الدول الخمس التي تتكون منها دول قوة الساحل الخماسية أو ما يمكن وصفه “بتحالف الساحل” أو Coalition Sahel وبين حكومةVichy     هو التبعية والخضوع , فما هو دخل فرنسا بالتعرض لمجموعات مُعارضة لنظم حكم قائمة فيما وراء البحار ؟ , ما لم يكن من صميم المصلحة والأمن القومي الفرنسي مهاجمتهم مباشرة , أو ما هو دخل فرنسا بدعم هذه النظم عسكرياً ودبلوماسياً لتسويغ كسر أي إرادة مُعارضة لها كما هو الحال مع “الإرهابيين ” بالصحراء الكبري حالياً ؟ لكن أيري البعض والآخرون منا أن القضية برمتها يجري تشويهها ومسخها إعلامياً وبحرفية فرنسية بالغة ثم نجد حيز عريض بالإعلام العربي السفيه الذي لا يقل تبعية عن القابضين علي السلطة يشوههم ويصورهم وكأنهم متطرفين بلا خجل من إستخدامهم لفظ ” الجهاد ” بإعوجاج منفر ؟  ومما يؤكد زيف السياسة الفرنسية أننا لم نر فرنسا مثلاً تهب لدعم المعارضة المصرية أو الإثيوبية أو الليبية , المسألة برمتها تبعية مهينة مُذلة ولا أكثر .
محتويات الدراسة:
1- دور الدبلوماسية الفرنسية في تحقيق هدف إقامة قوة الساحل الخماسية .
2- قوة الساحل الخماسية ضرورية لمن ؟

3- الموقفان الفرنسي والأمريكي .

4- موقف الأمم المتحدة والإتحاد الأفريقي .

5- أدوار دول القوة .

6- الدوران الجزائري والمغربي .

7- الدور السعودي / الإماراتي ولماذا هو مُعلن .

8- مشكلة تمويل القوة دالة علي صاحب المصلحة من إقامتها .

9- مشكلة الإزدحام المروري لقوي وترتيبات عسكرية أخري بمنطقتي الساحل والصحراء .

10- شمالي مالي والنيجر بؤرة تجمع صليبي للقوي العسكرية الأوروبية .

تعليقات