تصدّع ركائز المنتظم الدولي والحرب العظمى القادمة

www.elsiyasa-online.com
تصدّع ركائز المنتظم الدولي والحرب العظمى القادمة

جوزيف السخن

كثيرًا ما يُقال إنّ قبل كل انهيارٍ عظيمٍ للقوى القائمة هناك فترة من السلام، وقبل كل صعود عظيم لقوى جديدة هناك فترةٌ من الاضطرابات. حاليًا، تواجه بنية المنتظم الوستفالي أزمة منهجية إلى حد ما، تخضع ركائزه باستمرار لضغوطات من القوى التي لم تعد تتّفق على قواعد اللعبة أو قواعد التفاعل السياسي بداخله. وعلى الرغم من عدم التوصّل إلى بديل متّفق عليه، وبخاصة بين القوة القائمة أي الولايات المتحدة الأميركية، والقوى الصاعدة كالصين وروسيا، بدأت ركيزة الدولة القومية التاريخية، صاحبة السيادة المطلقة تشهد تحدّيًا من قبل فاعلين لا يمتلكون عنصر السيادة، ولكن يمتلكون قدرات موازية لقدرات الدول. ففي السنين العشر القادمة، لم تعد بنية المنتظم متجانسة، لأنّ من كان يحتكر الساحة الدَولية في السابق، سيتشاركها مع عدد آخر من الفاعلين من غير الدول، بعضها يمتلك قدرات اقتصاديةً هائلةً، كالشركات العابرة لحدود الدول، وبعضها يمتلك قدرات عسكرية نوعية، كالتنظيمات الإرهابية المتطرّفة.
وتعود هذه التحوّلات البنيوية إلى الدور الجوهري الذي تؤدّيه الابتكارات التكنولوجية في مسار توازن القوى العالمي، أي في استقرار المنتظمات الدولية، سواء من حيث تأثيرها على نمط توزّع القوّة أو على طبيعة الفاعلين في بنية المنتظم الدولي. فلا فرق بين منتظم وآخر، إلّا في نمط توزّع القوّة، وطبيعة الفاعلين أو القوى الرئيسة في بنيته الفوضوية، لأنّ الابتكارات التكنولوجية تعزّز القدرات الاقتصادية والعسكرية ووضعية القوى في المنتظم الدولي، وهذا سيؤدّي إلى تغيّر في توزّع القوّة أي في نمط توازن القوى العالمي. أما الذي ميّز الحربين العالميتين الأولى والثانية، فهو محاولة ألمانيا تغيير مسار توازن القوى مرتين، أي تغيير نمط توزّع القوّة في بنية المنتظم التي تتلاءم مع رؤيتها للسلام أو الاستقرار العالمي، بعد أن ارتفعت قوّتها الصناعية والاقتصادية والعسكرية، ما دفعها إلى التوسّع إقليميًا بحثًا عن أسواق اقتصادية، وأدّى في المحاولتين إلى نشوب حرب عظمى. بعدها أتت الحرب الباردة كتوازن قوىً بين قطبين، وكان الوضع مستقرًا نسبيًا إلى أن اتّسعت الفجوات الإنتاجية والاقتصادية والعسكرية والتكنولوجية بينهما، وانتهت بصمود القطب الليبرالي بقيادة واشنطن، وسقوط القطب الاشتراكي بقيادة موسكو. وظلّ دور الابتكارات التكنولوجية وتأثيرها يرتفعان، مع دخول عالمنا في القرن الحادي والعشرين مسار التوازن العالمي بين القوى العظمى، مع صعود بكين وموسكو اقتصاديًا وعسكريًا وتكنولوجيًا، وبشكلٍ أكبر على حجم الاختلافات الثقافيّة بينها وبين القوى القائمة كواشنطن من جهة، والتنظيمات الإرهابية المتطرّفة العابرة للحدود من جهة أخرى، التي يمتلك كل منها رؤية مختلفة لنمط السلام أو الاستقرار العالمي في المنتظم الدولي. من هنا، نطرح الإشكالية الرئيسة التالية: هل ترفع التحوّلات التكنولوجية والجيواقتصادية والثقافية للقوى الرئيسة في بنية المنتظم الدولي من احتمال نشوب حرب عظمى جديدة بينها؟
سنقوم أوّلًا بوضع إطار نظري يشرح العلاقة بين الابتكار والتطوّر التكنولوجي، وتحوّلات نمط توزّع القوّة في بنية المنتظم الدولي، ومسار التوازن العالمي، مع تحديد المفاهيم العلمية المطروحة بالإشكالية الرئيسة كتحديد ماهيّة السلام العالمي. بالتوازي مع ذلك، سنلجأ لمقارنة أحداث تاريخيةٍ مهمة وأخرى حالية لتحديد العلاقة بين التحوّلات التكنولوجية وفهمها وصعود القوى العظمى وسقوطها صناعيًا واقتصاديًا وعسكريًا، ولاستخلاص تأثيرها العام على انهيار المنتظمات الدولية وقواعد التفاعل السياسي، وصولًا إلى الإجابة عن الإشكالية الرئيسة، أي تحديد النتيجة المحتملة في المستقبل لتصدّع بنية المنتظم الدولي حاليًا نتيجة بروز قوى تمتلك رؤى متناقضة للسلام العالمي، أي لنمط توزّع القوّة العالمي.



لذلك، ارتأينا أن نتناول في الفقرة الأولى، دور الابتكارات التكنولوجية الجوهري في تغيير توزّع القوّة في بنية المنتظم. من خلال الإحاطة أوّلًا، بتحوّلات القوّتين الأفقية والعمودية وعلاقتها بالسلام العالمي. وثانيًا، سنراقب أثر الابتكار التكنولوجي والنّمو الاقتصادي في التوازن العالمي. أمّا في الفقرة الثانية، سنطرح مستقبل المنتظم الدولي، بين الحرب أو المنافسة كطريق للسلام العالمي. وذلك أولًا، من خلال دراسة مسار العولمة التكنولوجية وتأثيرها في مراكز التوازن العالمي في القرن الحادي والعشرين، وبشكل خاص بين بكين وواشنطن. أما ثانيًا، سنحدّد التحدّيات الحالية التي تضغط على بنية المنتظم وهل ستكون نتيجة ذلك حرب عظمى أم منافسة مستمرة بين أربع رؤى متناقضة للسلام العالمي؟

محتويات الدراسة:

1- الابتكارات التكنولوجية المحرّك الأساسي للقوّة في بنية المنتظم
        أولًا: تحوّلات القوّتين الأفقية والعمودية والسلام العالمي

        ثانيًا: أثر الابتكار التكنولوجي والنّمو الاقتصادي في التوازن العالمي


2- مستقبل المنتظم الدولي: الحرب أم المنافسة كطريق للسلام العالمي؟
      أولًا: العولمة التكنولوجية تعزّز وضعية بكين مقابل واشنطن

      ثانيًا: المنافسة المستمرة بين أربع رؤى متناقضة للسلام العالمي


الخاتمة


للقراءة أونلاين هنا
⇓⇓⇓⇓


تعليقات