ميزانيات الدفاع في العالم (2019): بين الأمن والتجارة

ميزانيات الدفاع في العالم(2019) : بين الأمن والتجارة 

د. أحمد علّو

ميزانية الدفاع، أو الميزانية العسكرية أو الإنفاق العسكري، هي مقدار الموارد المالية المخصصة من قِبل كيانٍ ما أو دولة لإنشاء القوات المسلحة والحفاظ عليها. وغالبًا، تعكس الميزانية العسكرية لدولةٍ ما تصوّرها للمخاطر التي تهددها وقدرتها على تمويل الأنشطة العسكرية، كما تقدم فكرةً حول التمويل الواجب تأمينه للسنة المقبلة. تؤثر في تقدير هذه الميزانية عوامل أخرى، من بينها حجم اقتصاد الدولة، والمتطلبات المالية المفروضة عليها، واستعداد الحكومة أو الشعب لتمويل الأنشطة العسكرية.


الإنفاق العسكري العالمي
استنادًا إلى تقرير معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام «سيبري» SIPRI Stockholm International Peace Research Institute الذي نشر في أيار من العام 2018، قُدّر الإنفاق العسكري العالمي في العام 2017 بنحو 1.7 تريليون دولار، وبزيادة 1.1%، مقارنة بالعام 2016، وهو ما اعتبر أكبر إنفاق منذ انتهاء الحرب الباردة. أما أكثر خمس دول إنفاقًا فكانت على التوالي: الولايات المتحدة الأميركية، الصين، المملكة العربية السعودية، روسيا والهند، وقد قُدّر إنفاقها بنحو 60% من الإنفاق العالمي. وعزا التقرير سبب هذا الارتفاع إلى زيادة الإنفاق لدول مثل الصين والهند والمملكة العربية السعودية. وقُدّرت النفقات العسكرية الأميركية في العام 2017 بنحو 610 مليار دولار، وهو مبلغ يفوق الميزانيات والنفقات العسكرية للدول السبع التي تليها مجتمعةً، أي الصين وروسيا والسعودية وبريطانيا والهند وفرنسا واليابان.
توقّع التقرير ارتفاع الإنفاق العسكري الأميركي في العام 2018 إلى حد كبير، لدعم الزيادة في عدد الأفراد العسكريين وتحديث الأسلحة التقليدية والنووية، وهذا ما حصل بالفعل.وأظهر أنّ الإنفاق العسكري الروسي بلغ 66.3 مليار دولار في العام 2017، وهو أقل بـ20% مما كان عليه في العام 2016، بينما بلغ إجمالي الإنفاق العسكري لدول الناتو وعددها 29 دولة 900 مليار دولار في العام 2017، وهو ما يُقدّر بـ52% من الإنفاق العالمي على التسلّح.



الإنفاق العسكري في الشرق الأوسط
تضمّن التقرير المذكور بعض الإحصاءات. فمثلاً، بلغت نسبة الإنفاق العسكري في الشرق الأوسط 5.2% من الناتج المحلي لدوله، وهي النسبة الأعلى عالميًا، إذ لا يتعدى المتوسط العالمي نسبة 1.8% من الناتج المحلي. كما أنّ سبع دول من أصل عشر هي الأكثر إنفاقًا على التسلّح في العالم مقارنة بناتجها المحلي، موجودة في الشرق الأوسط.
وذكر التقرير أنّ سلطنة عمان أنفقت ما نسبته 12% من ناتجها المحلي على التسلّح، بينما أنفقت السعودية 10%، والكويت 5.8%، والأردن 4.8%، وفي البحرين 4.1% وفي الكيان الإسرائيلي تصل النسبة إلى 4.7%.


الميزانية الأميركية
صوّتت غالبية أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي مطلع شهر آب 2018، لمصلحة إقرار ميزانية البلاد الدفاعية للعام 2019 بقيمة 716 مليار دولار، وبزيادة 3% على ميزانية العام 2018 (تبدأ الولايات المتحدة سنتها المالية للعام 2019، في أول تشرين الأول 2018).
وقد تمّ توزيع القيمة الإجمالية للمبلغ المقَرر وفق الآتي: 639.1 مليار دولار للميزانية الأساسية، 8.9 مليارات لوزارة الطاقة والنفقات الضرورية، و69 مليارًا لأي عمليات عسكرية محتملة وراء البحار.
ولفت القرار إلى أنّ مشروع القانون اقترح زيادة عدد الجنود العاملين في الجيش الأميركي، فضلًا عن إقرار زيادة تقدَّر بـ2.6 في المئة على رواتب الموظفين العسكريين.


الميزانية الصينية
استنادًا إلى تقرير سيبري المذكور أنفقت الصين في العام 2017 نحو 228 مليار دولار على الشؤون العسكرية، وهذا ما شكّل زيادة نحو 110% منذ العام 2008. وما بين سنتي 2016 و2017 زادت الصين نفقاتها العسكرية بنسبة 5.6%.


الميزانية الروسية
وضعت الحكومة الروسية ميزانيتها العامة والدفاعية في العام 2017 ولمدة 3 سنوات، مع ملاحظة تخفيض موازنتها العسكرية، وربطها بحجم الناتج المحلي. ولكن روسيا زادت نفقاتها العسكرية في العامين 2016 و2017 بنسبة 36%، فوصل إنفاقها العسكري الفعلي إلى 69.4 مليار دولار، وذلك بسبب حجم تدخلها العسكري في سوريا، وضرورة تحديث قسم من ترسانتها البحرية والجوية والصاروخية.


الميزانية الهندية
زادت الهند حجم إنفاقها العسكري في العامين 2016 و2017 بنسبة 45%، وبلغ هذا الإنفاق نحو 66.3 مليار دولار.


الميزانية اليابانية
سعت وزارة الدفاع اليابانية للحصول على ميزانية عسكرية قياسية للعام المالي 2019 بهدف مضاعفة الإنفاق على الدفاع الصاروخي، وشراء ترسانات أميركية مكلفة. وبلغت قيمة الميزانية 47 مليار دولار وبزيادة 2.1 في المئة عن العام الماضي.
وكان الإنفاق العسكري الياباني قد ارتفع لسبع سنوات متتالية في عهد رئيس الوزراء شينزو آبي.
وسيخصّص جزء من هذه الأموال لشراء أنظمة دفاع صاروخية اعتراضية أميركية من طراز «آيجيس آشور» البرية، وصواريخ «إس إم- 3 بلوك» بحر- جو.
وترغب اليابان تعزيز دفاعاتها الصاروخية، بحجة أنّ كوريا الشمالية لم تتخذ خطوات ملموسة لنزع سلاحها النووي، ولا تزال تشكل تهديدًا خطرًا لها.





المملكة العربية السعودية
أعلنت المملكة العربية السعودية أنّها ستخفّض بنسبة 9.1٪ ميزانية الدفاع للعام 2019، والتي تراجعت من 58.1 مليار دولار إلى 51 مليار دولار. وبذلك يتراجع ترتيب المملكة في الإنفاق العسكري العالمي من المرتبة الثالثة على مستوى العالم ما بين العامين 2017 و2018 إلى المرتبة الرابعة أو الخامسة في هذا العام. مع ذلك فهي تُعَدّ حتى الآن، أكبر منفق على التسلّح في منطقة الشرق الأوسط. فقد زاد إنفاقها العسكري بنسبة 74% بين العامين 2008 و2015، حين وصل إلى ذروته مع 90.3 مليار دولار، لينخفض بعد ذلك بنسبة 29% في العام 2016 ويعود إلى الارتفاع بنسبة 9.2% في العام 2017.

تركيا

يقول التقرير إنّ تركيا زادت إنفاقها العسكري بنسبة 46% بين العامين 2008 و2017، ووصل حجمه مؤخرًا إلى 18.2 مليار دولار، وهو الأمر الذي جعلها تحتل المركز الخامس عشر في قائمة الدول الأكثر إنفاقًا في العالم على التسلّح.


إيران
ورد في التقرير ذاته أيضًا أنّ حجم إنفاق إيران العسكري انخفض بنسبة 31%، في العام 2014 مقارنة بالعام 2006. لكن منذ العام 2014، وبسبب استفادة الاقتصاد الإيراني من الرفع التدريجي للعقوبات عن طهران من قبل الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، حدثت زيادة في إنفاقها العسكري.


الكيان الإسرائيلي
لفت التقرير إلى أنّ ذروة الإنفاق الإسرائيلي على التسلّح كانت في العامين 2014 و2015، وذلك تزامنًا مع إنفاقها على عملياتها العسكرية في غزة. لكن هذا الإنفاق انخفض بنسبة 13% في العام 2016، فيما تغيّر الأمر في العام 2017 الذي شهد زيادة في إنفاق إسرائيل العسكري بنسبة 4.9% ووصلت قيمته الإجمالية إلى 16.5 مليار دولار، مع العلم أنّ إسرائيل تحصل على مساعدات عسكرية لجيشها من الولايات المتحدة الأميركية تصل إلى 3.1 مليارات دولار.
ويؤكد التقرير أنّ إنفاق العدو الإسرائيلي على التسلّح في العام 2017 كان أقل بكثير من المستويات التي سُجّلت خلال العامين 2014 و2015، أما ميزانيته للعامين 2018 - 2019 فقد بلغت 21 مليار دولار.



مبيعات الأسلحة في العالم
قَدّر تقرير «سيبري» الصادر في 10 كانون الأول 2018 أنّ مبيعات أكبر 100 شركة تنتج السلاح والمعدات العسكرية في العالم قد بلغت في العام 2017 نحو 398.2 مليار دولار، بزيادة بلغت 2.5% عن العام 2016. وتحظى الولايات المتحدة الأميركية بحصة الأسد في هذا المجال، إذ وصلت مبيعات الأسلحة الأميركية إلى 226.6 مليار دولار، ما يشكل 57% من مجموع مبيعات الشركات المئة الكبرى الأولى في العالم. كذلك احتلت 5 شركات أميركية المراتب الخمس الأولى بين أهم عشر شركات لبيع السلاح في العالم.
وحافظت شركة «لوكهيد – مارتن» على المرتبة الأولى في المبيعات خلال العام 2017، والتي قُدّرت بنحو 44.9 مليار دولار. كما أنّ الهوّة التجارية ما بين شركتي «لوكهيد مارتن» و«بوينغ» (أكبر شركتي إنتاج للسلاح في العالم) ارتفعت من 11 مليار دولار في العام 2016 إلى 18 مليارًا في العام 2017.


روسيا إلى المركز الثاني في المبيعات
استطاعت شركات إنتاج السلاح الروسية أن تحتل المركز الثاني في المبيعات في لائحة الشركات الـ100 الكبرى في العالم. فقد بلغت قيمة مبيعاتها نحو 9.5% من قيمة مبيعات هذه الشركات في العام 2017، وبذلك تكون قد سبقت بريطانيا التي كانت تستحوذ على هذا المركز منذ العام 2002. كذلك برزت الشركة الروسية «ألماز – أتني» كأكبر شركة روسية لإنتاج السلاح ضمن الشركات العشر الأكبر في العالم. وزادت مبيعات عشر شركات روسية من ضمن الـ100 الأولى في العالم في العام 2017 بنسبة 8.5%، (37.7 مليار دولار)، وذلك بسبب تحديث الجيش الروسي اعتبارًا من العام 2011.


المملكة المتحدة (بريطانيا)
يبيّن التقرير أنّ 24 شركة من الـ100 شركة الأولى في العالم في بيع السلاح، والتي تتمركز في أوروبا الغربية زادت مبيعاتها في العام 2017 بنسبة 3.8 % لتصل إلى 94.9 مليار دولار، وهذا يشكل 23.8% من مبيعات شركات إنتاج السلاح المئة الأولى في العالم. وقد بقيت بريطانيا تحتل المركز الأول في إنتاج السلاح في هذه المنطقة خلال العام 2017، وبلغت قيمة مبيعاتها خلاله 35.7 مليار دولار وذلك بسبب زيادة مبيعات شركات «بي أي إي» و«رولز رويس» و«جي كاي إن». وتُعتَبر منظومة شركة «بي أي إي» المصنفة في المركز الرابع بين أول مئة شركة في العالم لإنتاج السلاح، أكبر شركة بريطانية لإنتاج السلاح من الأنظمة العسكرية، كما أنّ مبيعاتها ارتفعت بنسبة 3.3% في العام 2017 ووصلت إلى 22.9 مليار دولار.


خلاصة
يتبين من تحليل المعطيات الواردة آنفًا ما يأتي:
أولًا: إنّ الولايات المتحدة الأميركية هي أكبر منتج للسلاح، وأكبر بائع له، وهي الدولة الأولى عالميًا في حجم ميزانيتها الدفاعية وإنفاقها العسكري، الذي يكاد يوازي نصف الإنفاق العالمي.
ثانيًا: إنّ الدول الخمس الكبرى الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي تستأثر بأكبر إنتاج وبيع للأسلحة في العالم.
ثالثًا: الحجم الكبير لميزانية هذه الدول العسكرية بالنسبة إلى غيرها، وهي تسعى من خلاله للمحافظة على مراكزها في النظام الدولي، أو للتنافس على مواقعها ونفوذها في العالم، مباشرة أو عبر حلفائها.
رابعًا: بروز الشرق الأوسط وبخاصة المملكة العربية السعودية، كأكبر زبون لشراء المنتجات العسكرية لهذه الدول.
خامسًا: إنّ شركات صناعة السلاح هي شركات تبغي الربح، وهي تنتج لتبيع وتربح، ولكي تبيع تحتاج للأسواق، والأسواق تحتاج لأزمات وحروب، وتأثير في سياسات الدول الخارجية...
وهذا ربما يدفعنا إلى معرفة الأسباب الحقيقية لمعظم الحروب الماضية والحاضرة والمستمرة، ووسائل العمل على تأمين استدامتها، في هذه المنطقة، أو في غيرها في هذا العالم...


المراجع:
- https://www.sipri.org/yearbook/2018 -  
- https://www.sipri.org/sites/default/files/2018-06/yb_18_summary_en_0.pdf-      
- https://www.sipri.org/media/press-release/2018/global-arms-industry-us-companies-dominate-top-100-ru-
- https://www.defensenews.com/industry/2018/05/02/us-remains-top-military-spender-sipri-reports/-  
- https://ar.wikipedia.org/wiki


تعليقات