الدولة العميقة: المفهوم الناشئ في السياسة الدولية المعاصرة

www.elsiyasa-online.com
 الدولة العميقة: المفهوم الناشئ في السياسة الدولية المعاصرة

باتريك أونيل 
ترجمة الحسن مصباح 

برز خلال العقدين الماضيين مفهوم جديد في النقاش حول الأنظمة الإستبدادية والمضادة لليبراليــة، وهــو مفهــوم "الدولــة العميقــة". وعلى الرغــم من اســتخدامه المتزايــد، بقي هذا المفهوم محدودًا بســبب افتقاره إلى الوضوح. تحاول هذه الدراســة*** تحديد هذا المفهوم، فتبــدأ الحديــث بتفصيــل عــن المصطلــح مــن خــاال مناقشــة العناصــر التــيُتَعد مــن صلب المفهــوم، وتلــك التــي ليســت كذلــك. ثم تحــاول ربط هــذا المفهــوم بعدد مــن المفاهيم األخرى في السياسة المقارنة، ومعالجة السياقات التي يمكن أن تنشأ عنها الدولة العميقة. تناقش الدراسة التحوّل السياسي والدولة العميقة، وكيف يمكن أن تتجلّى هذه الدولة عقبةً أمام التحول الديمقراطي




1- تعريف الدولة العميقة:
تكمن المشكلة الأساسية في تحليل الدولة العميقة، في كون المفهوم فضفاضا جدا، كما أشرنا فإن هذا المصطلح يستخذم في كثير من الحالات بطريقة مرتجلة تقريبا لوصف النشاطات السياسية الغير شفافة و العلاقات الغير محددة بطريقة بيروقراطية و غير معقلنة. هذه عوامل أساسية لكنها لم تتبلور بما يكفي، و لذلك هي لا تسمح بالتمييز بين الأسباب و النتائج، و المشكلة الثانية هي انه في تلك المحاولات القليلة للغاية لوضع تصور للدولة العميقة، تركز العمل حرصا على دراسات حالات فردية، على نحو يصعب بناء تعميمات دقيقة للتطبيق في الدراسات المقارنة.
كما يعرفها "هلميك و ليفيتسيك" بكونها "تلك القواعد المشتركة اجتماعيا الغير مكتوبة عادة، التي تم انشاءها و تطبيقها و تبليغها خارج القنوات الرسمية".

تشمل الدولة العميقة الأجهزة الامنية التي تشتغل ضمن نطاق يتخطَّى النخب الغير العسكرية داخل الدولة وخارجها. وأنا أستخدم مصطلح "الأجهزة الأمنية" هنا بدالً من القوات المسلحة للتنبيه إلى أمرين مهمين: *- يتمثل الأول في أن الدولة العميقة التي تقتصر على مكونات الجيش أو الشبكات المتصلة به، ولكنها تشمل مؤسسات أخرى أيضًا التي تخضع لسلطة المؤسسة العسكرية رسميا، مثل الشرطة، و الدرك، وهيئات الإستخبارات الداخلية والخارجية.

*-  ويتمثل الثاني في غياب سلطة واضحة في كثير من الأحيان، نتيجة وجود هيئات شبه عسكرية خاصة وملحقة، وميليشيات تشتغل خارج سلطة القضاء، و التي تمتلك الدولة سوى قليل من السيطرة عليها. و بينما تعمل القوات المسلحة بطريقة مهنية، فإن الأجهزة الأمنية الواسعة هي أكثر تشتتًا، وتتحكم فيها، أو قد تستولي عليها مصالح مختلفة. وقد تعمل هذه العناصر بقدر كبير من أجل مصالحها الخاصة. و يمكن أن تمتد حدود الأجهزة الامنية إلى الجماعات السياسية المسلحة، و الامن الخاص، و المنظمات الإجرامية. وقد ّقدم "بيرت جيل" مثالا متميزا، سماه "الدولة الأمنية المستقلة" التي تتسم بأنها "تفتقر إلى غياب المراقبة الخارجية ]...[ وتُحدد أهدافها من جانب المسؤولين داخل الوكالة الإستخباراتية التي قد لا تتفق أهدافها مع أهداف النخبة السياسية". يبدو مفهوم جيل عن الدولة الأمنية المستقلة باعتبارها "دولة داخل الدولة"، قريبا من مناقشتنا لمفهوم "الدولة العميقة"، ولكن هناك اختلافات مهمة؛ فمفهوم الدولة الأمنية المستقلة يبرز الإستقلالية، ولكنه يؤكد الإرتباط المؤسسين أيضًا؛ فخطوط القيادة والسيطرة، وإن كانت غائبة على مستوى الممارسة العملية، توجد على الورق. في المقابل، فإن الخطوط الفاصلة في الدولة العميقة بين القوات المسلحة، و الميليشيات، و الأمن الداخلي، و الإستخبارات الأجنبية، و الشرطة، و الجريمة تبقى مبهمة، حتى في نظر المشاركين أنفسهم. 





تعليقات