التدخل لأغراض انسانية في ظل المبادئ العامة للقانون الدولي


عبد الله محمود الطناوي

لما كان الأساس الذى يقوم عليه القانون الدولى، هو الرضا العام للدول، أصبح من الطبيعي أن تتعدد مصادر هذا القانون بتعدد وسائل التعبير عن الرضا. والتعبير عن الرضا والإرادة إما أن يكون صريحاً، وإما أن يكون ضمنياً.. فالدول إما أن تعبر عن توافق إرادتها صراحة، ويكون هذا التعبير عن طريق إنشاء المعاهدات، وإما أن تعبر عنه ضمناً، ويكون ذلك عن طريق العرف.
وتطبيقا لذلك نصت المادة 38 من النظام الأساسى لمحكمة العدل الدولية على أن: “وظيفة المحكمة أن تفصل فى المنازعات التى ترفع إليها وفقاً لأحكام القانون الدولى وهى تطبق فى هذا الشأن: الاتفاقات الدولية العامة والخاصة التى تضع قواعد تقر بها الدول المتنازعة صراحة، والعرف الدولى المقبول بمثابة قانون، كما دل عليه التواتر. ومبادئ القانون العامة التى أقرتها المم المتمدينة. وأحكام المحاك ومذاهب مبار المؤلفين فى القانون العام فى مختلف الأمم، ويعتبر هذا أو ذاك مصدراً احتياطياً لقواعد القانون…”.
فمصادر القانون الدولى، وفقاً لهذا النص، تنقسم قسمين: مصادر أصلية، وهى المعاهدات والعرف والمبادئ العامة فى النظم القانونية المختلفة، ومصادر احتياطية أو مصادر استدلال، وهى أحكام القضاء وآراء الفقهاء[1].
وقد نصت الفقرة (ج) من المادة 38، من النظام الأساسى لمحكمة العدل الدولية، على مبادئ القانون العامة التى أقرتها الأمم المتحضرة، ضمن أحكام القانون الدولى، التى تطبقها المحكمة للفصل فيما يعرض عليها من المنازعات الدولية. ويوجد ثمة ارتباط بين حكم هذه الفقرة، والحكم الوارد فى المادة التاسعة من النظام الأساسى للمحكمة، ذلك الحكم الذى يقضى بأنه: عند تأليف هيئة قضاة المحكمة “ينبغى للهيئة فى جملتها، أن يكفل تأليفها تمثيل المدنيات الكبرى والنظم القانونية الرئيسية فى العالم”.
ومفاد الفقرة (ج)، أنه إذا عرض على المحكمة نزاع ما، ولم يوجد فى المعاهدات أو فى العرف نص يحكم موضوع هذا النزاع، فعلى المحكمة أن تطبق مبادئ القانون العامة التى أقرتها الأمم المتحضرة، أى المبادئ القانونية العامة المقررة فى النظم القانونية الرئيسية فى العالم، التى يكفل تمثيلها فى محكمة العدل قضائها المنتخبون. والأصل فى المبادئ العامة للقانون أن تسود دائرة القانون الداخلى، ولذلك يبدو غريباً أن تمتد دائرة تطبيقها إلى حكم العلاقات بين الدول. غير أنه يمكن القول بأن هذه المبادئ العامة تنطبق فى الدائرة الدولية فى حالة فقدان كل قاعدة قانونية دولية منصوص عليها فى المعاهدات أو يقضى بها العرف. فهى بمثابة قواعد تقضى بها العدالة، عند الأمم المتحضرة.
ومن الأمور الجديرة بالذكر أن محكمة العدل لم تلجأ إلى تطبيق مبادئ القانون العامة إلا فى حدود ضيقة[2].
ولبيان موقف المبادئ العامة للقانون من التدخل الإنساني، تم تقسيم هذه الدراسة علي النحو التالي:

المبحث الأول: ماهية المبادئ العامة للقانون الدولي

المبحث الثاني: التدخل الإنساني في ضوء المبادئ العامة للقانون الدولي



تعليقات