مستقبل التواجد العسكري الأمريكي في العراق



    اعداد : محمد فوزي – منى قشطة
    منذ القضاء علي خلافة تنظيم داعش منذ عام مضي بدأ الحديث داخل أروقة مجلس النواب العراقي الجديد عن رغبة في طرد القوات الأمريكية ، وتفاقمت هذه المطالبات وتحولت إلي رأي عام منذ تحركات البيت الأبيض الأخيرة ، والتي تم  بناء عليها سحب وتحويل جزء من القوات الأمريكية في سوريا وكذلك الكويت إلي قواعد أمريكية في العراق ، وقد زار الرئيس الأمريكي بشكل غير متوقع وسري القوات الأمريكية في قاعدة عين الأسد ( غرب العراق ) ليحتفل وسط جنوده بمناسبة رأس السنة الميلادية .
    الداخل العراقي والتواجد العسكري الأمريكي :
    حدث جدل منذ ظهور المطالبات برحيل القوات الأمريكية علي الساحة العراقية بين القوي والأحزاب السياسية العراقية بين فئات تري أن وجود القوات الأمريكية ضمانة لحفظ الأمن ومواجهة التحديات الإرهابية ، وأنه حتى في حال وجود رغبة بسحب القوات الدولية والأجنبية من العراق فإن ذلك يحدده القادة العسكريون وليس ذيول بعض دول الجوار ، حسبماعبرت ” الجبهة العراقية للحوار الوطني ” بزعامة صالح المطلك .
    وفئات أخري ترفض هذا التواجد العسكري الأمريكي وتطالب برحيله أو علي أقصي حد تحجيمه واقتصاره علي الاستشارات والاستفادة من الخبرات بأرقام محدودة وواضحة .
    انتشار القوات الأمريكية في العراق :
    يبلغ عدد القوات الأمريكية في القواعد الموجودة في العراق حوالي 5500 جندي  ، وأشارت تقارير إلي أن العدد الفعلي والغير معلن يتجاوز 15 ألف جندي ، وتركز الانتشار في القواعد التالية  :
    1- في محافظة الأنبار يوجد علي الأقل 4 قواعد أمريكية ، أهمها قاعدة عين الأسد وتضم أكثر من 1000 جندي أمريكي ، مع بطاريات صواريخ وكتائب مدفعية ومشاة ، وهي القاعدة التي قرر الرئيس الأمريكي إنفاق 3 مليارات دولار لتطويرها وتوسعتها ، خلال السنوات القادمة ، لتكون بديلا محتملا لقواعد أخري في المنطقة ، وقاعدة في ” حديثة ” تضم حوالي 300 جندي ، وقاعدة الحبانية الجوية .
    2- قاعدة القيارة في الموصل وتضم 500 جندي ، بالإضافة إلي قاعدة في مطار تلعفر وتضم 350 جندي .
    3- قواعد في محافظة صلاح الدين أهمها : قاعدة بلد الجوية وتضم 200 جندي ، وسبايكر وتضم 300 جندي ، وكذلك في سامراء .
    4- قاعدتان في كركوك ، الأبرز منها الحرية وتضم 150 جندي .
    5- قاعدتان في أربيل أهمها حرير وتضم 600 جندي .
    6- قاعدة في السليمانية وحلبجة وتضم 100 جندي .
    7- قاعدة جوية في معسكر التاجي ، شمال بغداد .
    8- قاعدة في المنطقة الدولية ” الخضراء ” .
    9- قاعدة فيكتوريا في مطار بغداد الدولي .
    العراق ساحة للتنافس الأمريكي – الإيراني :
    عند الحديث عن مستقبل التواجد العسكري الأمريكي في العراق لا يمكن عدم ربطه بالإستراتيجية الأمريكية
    لمواجهة إيران وتحجيم نفوذها وموقع العراق في هذا الصراع وهذه الإستراتيجية .
    فالعراق مليئة بالأذرع العسكرية الإيرانية والتي يعتبر أبرزها ميليشيات الحشد الشعبي والتي تتبع بشكل رئيسي ومباشر المرشد الأعلي الإيراني ، وهي الميليشيات التي تسعي الولايات المتحدة جاهدة للتضييق عليها وحصارها وحلها ، من خلال الضغط علي المرجع الشيعي الأعلي في العراق بوساطة ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في العراق لحل الحشد الشعبي ، وفي نفس الاتجاه تضغط الولايات المتحدة علي الحكومة العراقية من خلال مساعدات مالية ودعم مشاريع إعادة الاعمار لنفس السبب المتمثل في حل الحشد الشعبي وتجريمه ووضعه علي قوائم الإرهاب .
    أضف إلي ذلك أن العراق محور اقتصادي رئيسي للاقتصاد الإيراني المنهك والمحاصر ، فبعد ايقاف الكثير من الدول تعاملاتها مع إيران أصبحت العراق موردا هاما ورئيسيا للعملة الصعبة بالنسبة لإيران ، هذا بالإضافة الي الارتباط الكبير بين اقتصاد البلدين والمعاملات الاقتصادية الكبيرة بينهما ، ومن هنا سعت الولايات المتحدة إلي إغلاق هذه النوافذ من خلال سلسلة من الاجراءات كان أهمها دفع دول عربية في المنطقة لزيادة حجم علاقاتها ومعاملاتها الاقتصادية مع العراق .
    • رحيل القوات الأمريكية … العوامل المحددة لزخم هذا الملف :
    هنالك عنصران رئيسيان سيحددان ما إذا كانت المطالب برحيل القوات الأمريكية ستكسب زخما أم لا وهما :
    1- النفوذ الإيراني. فمنظور الأمن القومي لطهران يفضّل عراقاً معزولاً، وضعيفاً مؤسسياً، ومرهوناً بالمساعدة الإيرانية – وهو هدف يعززه الدور الكبير الذي لعبته الميليشيات الشيعية أثناء الحرب ضدّ تنظيم «الدولة الإسلامية» وبعدها.
    2- الشعور المتزايد بالوطنية والسيادة بين الطبقة السياسية العراقية (أبرزها مقتدى الصدر) والجمهور الأوسع. فهذا الاتجاه الشعبوي الواسع النطاق هو قوة فاعلة للغاية في هذا الملف .
    ويجب التنويه إلي أن تركيبة مجلس النواب الحالي أكثر عرضة للحماسة القومية التي تستهدف التواجد العسكري الأمريكي في العراق ، فهنالك حوالي 200 عضو من أصل 329 عضو يشغلون مناصبهم للمرة الأولي ، وحوالي 50-60 منهم ينتمون إلي الحشد الشعبي ، وهم الأعضاء المشحونون بطبيعة الحال تجاه الممارسات الأمريكية والتواجد العسكري الأمريكي في العراق .
    وبالرغم من أن مشاعر القومية المطالبة برحيل القوات الأمريكية من العراق لم تنتقل بشكل كبير إلي القطاع العريض من الشعب إلا أن المزيد من الخطوات الاستفزازية الأمريكية كفيلة لزيادة ضغط الرأي العام في هذه القضية وتحريكه ، هذا بالإضافة إلي الضغوط التي تمارسها طهران ووكلائها في البرلمان .
    • السيناريوهات المحتملة :
    يمكن اجمال السيناريوهات المحتملة المرتبطة بملف التواجد العسكري الأمريكي في العراق في الآتي :
    1- الفشل في إحراز أي تقدم فيما يتعلق بمسودة القانون المطالبة برحيل القوات الأمريكية ، وهذا السيناريو هو الأكثر ترجيحا خصوصا في ظل انشغال مجلس النواب العراقي بقضايا ملحة أكثر هذا بالإضافة إلي أنه بالرغم من كل ما سبق فإن مسألة القوات الأمريكية بالنسبة للشعب مسألة هامشية بعض الشيء .
    2- تمرير مشاريع قوانين أقل وطأة ، ترتبط بحجم التواجد الأمريكي وتوزيعه بشكل واضح ومعلن أي تحجيم التواجد العسكري الأمريكي في العراق وتشديد الشروط التي يعمل بموجبها المستشارون الأمريكيون .
    3- تمرير قانون يقضي بطرد القوات الأمريكية وهو خيار غير مطروح وغير وارد ولكن من المحتمل ظهوره علي الساحة مرات أخري عديدة ، وهو السيناريو الذي يهدد المصالح الأمريكية في العراق .
    أخيرا فمع اشتداد الصراع بين الولايات المتحدة وإيران علي النفوذ في العراق ، فسوف تستمر إيران ومن خلال أزرعها في العراق في الضغط علي الحكومة العراقية من أجل لعب دور أكبر في مواجهة التمدد الأمريكي في العراق وذلك سياسيا من خلال مشروعات القوانين المطالبة بطرد القوات الأمريكية أو علي الأقل تحجيمها وتحديد مهامها بشكل واضح ، وكذلك من خلال السماح لوكلائها بمهاجمة القوات الأمريكية المتمركزة في العراق لتكبيدها أكبر خسائر ممكنة .
    وفي المقابل سوف تستمر الإدارة الأمريكية في الضغط علي الحكومة العراقية من أجل حصار إيران ووكلائها في العراق وذلك من خلال زيادة التواجد الأمريكي بما يضمن تحقيق التوازن أو التفوق الأمريكي حتي تجاه النفوذ الإيراني ، والعمل علي تحسين ودعم القوات المسلحة العراقية ، مع العمل علي إعادة العراق للصف العربي وهو ما سيكون علي حساب العلاقات ( العراقية – الإيرانية ) .
    تعليقات