بقلم : محمد عادل عثمان – باحث في الشؤون الافريقية
مقدمة:
اشتهرت القارة الافريقية طيلة تاريخها بأن شعوبها يغلب عليهم النمط الزراعي والرعوي وبأن المناخ يؤثر بشكل كبير على حياتهم المعيشية، ومع التغيرات المناخية التي يشهدها العالم اجمع منذ فترة ليست بقليلة أثر هذا الامر على الرقعة الزراعية في قارات العالم اجمع وليس في أفريقيا فقط، وعرفت افريقيا كغيرها أزمة المناخ كونها واحدة من أبرز الازمات التى تؤثر على مستقبل القارة السمراء، إذ تؤثر بشكل كبير على استقرار شعوبها ومستوي تنميتهم الاقتصادية ومستواهم الأمني.
واوضحت التقارير التي تصدر عن منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) إلى أنه في السنوات العشر الأخيرة نجحت الدول الافريقية جنوب الصحراء أن تتغلب على مشاكل الاحتباس الحراري وتغير المناخ وانخفض معدل سوء التغذية من 29% إلى 20% ، وعلي الرغم من هذا فأن سوء الأوضاع الإنسانية وعمليات النزوح قد شهدت تزايد كبير في الفترة من عامي
2015،2016 في العديد من البلدان الافريقية جنوب الصحراء ، ويرجع السبب في ذلك إلى الصراعات التي شهدتها اغلب الدول مع تفشى ظواهر العنف والإرهاب وغيرها الامر الذى اثر علي المحاصيل الزراعية والثروة الحيوانية .
2015،2016 في العديد من البلدان الافريقية جنوب الصحراء ، ويرجع السبب في ذلك إلى الصراعات التي شهدتها اغلب الدول مع تفشى ظواهر العنف والإرهاب وغيرها الامر الذى اثر علي المحاصيل الزراعية والثروة الحيوانية .
تغير المناخ: بوابة خلفية للتجنيد
أوضح مركز” “وورد ووتش” للأبحاث في تقرير نشره في فبراير من هذا العام إلى أن تغير المناخ سيؤدي إلى زيادة حدة الفقر، بل يزيد أيضا من عدم الاستقرار الداخلي وهذا بدوره يغذي الإرهاب والجريمة وقد يدفع بالشباب ناحية الانضمام إلى التنظيمات المسلحة، فمنطقتي الساحل والصحراء وغرب أفريقيا لعبت العوامل البيئة والاجتماعية فيها دورًا في نشوء العنف بين المجتمع سواء من ناحية قبلية أو عرقية أو ظهور تنظيمات متطرفة.
ووفقًا لمؤشر الدول الهشة الصادر عن مؤسسة صندوق السلام فأن القرن الافريقي يعانى أيضا من تفاقم مشاكل المناخ ويتواجد به دول تعاني من التقلبات المناخية بشكل مستمر كالصومال ، وكينيا، وإرتيريا، وتسجل هذه الدول مؤشرات عالية في نسب العنف الذي يعتبر التغير المناخي أحد أسبابه، وبخاصة تلك الصراعات الناجمة عن حالات الجفاف ([1]).ففي عام 2011، عانت الصومال من حالات جفاف تم ربطها بتغير المناخ. حيث لاحظ في تلك الفترة الباحث” ماركوس كينغ” بجامعة جورج واشنطن بالولايات المتحدة أن “حركة الشباب” قامت بتغيير خطة تحركاتها الميدانية وبدأت في عزل المدن المحررة من قضبتها عن موارد المياه ([2]) .
كما أنه في عام 2018 اشار مسؤولون أمريكيون إلى أن الجاف الذي تعاني منه بحيرة تشاد عزز من جهود انتشار الجماعات المتطرفة وبخاصة (بوكو حرام والقاعدة) في منطقة الساحل، فقد شهدت مالي عام 2018 تصاعد في اعمال العنف بين المزارعين والرعاة وسجل عدد الأشخاص الذين يحتاجون إلى الغذاء ما يصل إلى 5.2 مليون نسمة نتيجة تصاعد لأعمال العنف والجفاف([3])
وفي الكاميرون على سبيل المثال تعد أحد الاسباب الاساسية وراء انضمام الشباب هناك إلى (بوكو حرام) هو التغيرات المناخية الى اثرت على البيئة الزراعية هناك وزادت من عملية تصحر الأراضي إلى جانب ارتفاع تكاليف الزواج([4] )، ولذلك ليس من المستغرب أن ينضم اعدد كثيرة من الشباب صغير السن والذين تتراوح اعمارهم ما بين 17 إلى 22 إلى الجماعات
المسلحة في منطقة بحيرة تشاد ، فالجفاف الذى تعاني منه ادى إلى الاقتناع بأن الانضمام إلى هذه الجماعات هو الوسيلة لضمان “البقاء” على قيد الحياة([5]).
ومما يؤكد هذه الفرضية، ذلك التقرير الذي صدر عن وزارة الخارجية الالمانية عام 2017، والذي تناول الحديث عن تنظيم “داعش” واسباب انتشاره وتمدده بسوريا حيث كان من بين الاسباب التى وضعت لتفسير الأسباب، أن ندرة المياه في بعض المدن السورية ساعدت “داعش” على الانتشار وتجنيد الشباب ونشر افكاره من خلال عمله على توفير المياه للأهالي.
الامن الغذائي والتغذية: الارتباط بالصراع
أدى تغير المناخ والاحتباس الحراري إلى تفاقم المشكلات الأمنية القائمة في أفريقيا جنوب الصحراء، وبالتالي ظهور الكثير منها في الدول الواقعة جنوب الصحراء الكبرى، ووصل تدهور الامن الغذائي في دوله عام 2017 إلى 22.7%.
ففي النيجر أدى زيادة التقلبات المناخية والتغير الديمغرافي السريع والتدهور البيئي بشكل عام إلى زيادة التنافس على الموارد والصراع بين المواطنين، ومن المتوقع وفقا لخبراء الارصاد أن ترتفع درجة الحرارة بالنيجر إلى 2.4 مئوية خلال الفترة من 2031 إلى 2050 مما يعني تحديات مناخية صعبة ستوجهها البلاد، وهو ما يترتب علية تعرض التربة الزراعية إلى مشكلات تتعلق بالتصحر، كما أشار “بيتر ماورير”، رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر أن النيجر تعاني من تقلص في نسبة الأراضي الزراعية الخصبة وبأن هذا الامر قد ولد نوع من النزاعات بين المواطنين هناك([6]) .
وهذا يعني، أن تغير المناخ سيزيد من التعقيد على المشهد الداخلي في دولة تعاني بالأساس من تأخر في معدلات التنمية والفقر وانتشار النشاط الاجرامي، خاصة إذا عرفنا أن تقديرات الأمم المتحدة حول منطقة الساحل ومستوي الامن الزراعي هناك جاءت بتقديرات جد خطيرة حول تدهور ما يقارب من 80% من الأراضي الزراعية بسبب تغيرات المناخ، ويعيش حوالي 50 مليون نسمة علي الزراعة ويعتمدون علي تربية الماشية كمصدر أساسي للعيش، واعتبارًا من عام 2018 أصبح هناك ما يقارب من 33 مليون نسمة في منطقة الساحل فقط يفتقرون إلى الامن الغذائي .
ومن ناحية أخرى، شكلت الظروف المناخية الغير مستقرة والصراعات، عوامل رئيسية اسهمت في زيادة درجة العنف في افريقيا، فانحسار الرقعة الزراعية التى تتعرض للتصحر بفعل عوامل التغير المناخي إدت إلى زيادة نسب الجوع والفقر وهو ما خلق نوع من التنافس والصراع حول الموارد، والتي يتم التصدي له من خلال العادات العرفية والوساطة السريعة من كبار القبائل هناك. لكن هذا التعايش لا يدوم طويلًا. ويقتل سنويًا الآلاف من المدنيين من بوركينا فاسو وتشاد ومالي والنيجر ونيجيريا في أعمال عنف دموية بين الطوائف.
ففى عام 2016 وصلت نسبة الفقر والمجاعة في أفريقيا 25% من جملة سكان القارة، وكان العنف المصاحب للتغير المناخي أحد أسباب الوصول إلى هذه النسبة، ومما يؤكد على ذلك ما توصل إليه البنك الدولي في تقريره عام 2013 تحت عنوان ” القضاء على الحرارة: الاحداث المناخية الشديدة والاثار المترتبة على المناطق” توصل فيه إلى عدة استنتاجات هامة وهي:
- التغيرات المناخية الحالية ادت إلى زيادة درجات الحرارة في افريقيا جنوب الصحراء إلى ما يقارب 4 درجات مئوية
- ادي ارتفاع درجات الحرارة إلى التأثير على الزراعة والأمن الغذائي في افريقيا
- المجتمعات الفقيرة ستشهد صراعات عنيفة نتيجة للتصحر
وختامًا، يمكن القول إن التوترات المتوغلة بين المجتمعات الزراعية والرعوية في افريقيا جنوب الصحراء، آخذة في الازدياد بسبب تقلص الأراضي القابلة للاستغلال وعدم استدامة موارد المياه.” فالتغيرات المناخية تؤدى إلى إضفاء مزيدٍ من التعقيد على المشهد في منطقة جنوب الصحراء الكبرى.
وبسبب المعاناة من تأخر التنمية والفقر المزمن وتفشي النشاط الإجرامي والعنف، بات تفعيل الجهود السياسية الرئيسية والعاجلة الرامية إلى تخفيف آثار تغير المناخ لها أهمية بالغة لتجنب حدوث عواقب وخيمة تساعد على انتشار الجماعات المتطرفة والمسلحة في افريقيا.
الهوامش:
[1] Moshe Terdiman, CLIMATE CHANGE AND CONFLICT IN THE MIDDLE EAST AND NORTH AFRICA, Research Institute for European and American Studies, https://bit.ly/2Io3NFd.
[2] تغيّر المناخ يهدّد بنزاعات جديدة، منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة(اليونسكو)،https://ar.unesco.org/courier/2018-2/tgywr-lmnkh-yhdwd-bnzt-jdyd
[3] The Sahel is engulfed by violence. Climate change, food insecurity and extremists are largely to blame, World Economic Forum, https://bit.ly/2Um8LZt
[4] State Measures to prevent radicalization and violent extremism in the francophone space: The example of Cameroon, https://bit.ly/2NsnVGC.
[5] How climate change is fueling extremism, CNN, https://cnn.it/2EQdk5A
[6] -مالي-النيجر: تغير المناخ والنزاعات المحتدمة في منطقة الساحل الإفريقي يجعلها على وشك الانفجار، اللجنة الدولية للصليب الأحمر، https://bit.ly/2IoU0yx