قمة تونس: قرارات بروتوكولية وانتكاسات عملية


د. نورة الحفيان



عُقدت في 31 مارس/آذار 2019 بتونس القمة العربية في نسختها الثلاثون في ظل ظروف وأوضاع استثنائية معقدة ومضطربة نتيجة تفاقم الأزمات والتحديات داخل المنطقة العربية، مؤكدة بذلك على هشاشة التنظيم الإقليمي العربي واضمحلال العمل العربي المشترك على الرغم من الدعوات التي نادت لتجاوز العقبات التي تحول دون ذلك. لكن الأزمات البينية العربية كان لها الصدى الأقوى في تطويع الانشقاق العربي والذي بدا واضحا من خلال انصراف
أغلبية القادة والمسؤولين العرب من القمة العربية وذلك حتى قبل نهاية جلستها الأولى.
وقد أنهت القمة أعمالها بإصدار البيان الختامي باسم “إعلان تونس”، تخللته مجموعة من القرارات والتوصيات. فما هي أبرز تلك القرارات والتوصيات؟ وهل استطاعت ملامسة الأزمات أم فشلت في تجاوز التحديات؟

أولا: مضامين قرارات القمة العربية

صدرت عن القمة العربية بتونس مجموعة من القرارات التي جاءت بنودها في صيغة مماثلة لقرارات القمم السابقة، أضيف إليها بعض التنقيحات نظرا للمستجدات التي شهدتها بعض القضايا. ومن أهم المواضيع التي تناولتها تلك القرارات هي:

1- تطورات القضية الفلسطينية

أكد البيان الختامي والقرارات الصادرة عن القمة العربية على مركزية القضية الفلسطينية وعلى رفض أي صفقة أو مبادرة سلام لا تنسجم مع المرجعيات الدولية لعملية السلام في منطقة الشرق الأوسط، بالإضافة إلى استنكار أي مساومة أو ضغوط سياسية أو مالية تمارس على السلطة الفلسطينية والشعب الفلسطيني تهدف إلى فرض حلول غير منصفة للحق الفلسطيني.
ناهيك على التنديد بقرار الولايات المتحدة الأميركية الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ومن تم نقل سفارتها إليها، هذا الأمر الذي اعتبره البيان ضربا بالمكانة القانونية لمدينة القدس من خلال خرق المواثيق الدولية من قرارات الجمعية العامة ومجلس الأمن، واعتبار هذا الفعل هدما لكل الجهود المبذولة لتحقيق السلام، وتقويض لبؤر التوتر وعدم الاستقرار في المنطقة. مع التأكيد على اعتزام الدول الأعضاء اتخاذ جميع الإجراءات العملية اللازمة لمواجهة أي خطوة مثيلة بالإجراء الأمريكي[1].

2- رفض الاعتراف الأمريكي بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان المحتلة

أكد البيان الخاص بشأن الاعتراف الأمريكي ب”سيادة” إسرائيل بالجولان المحتلة والمنبثق عن البيان الختامي للقمة العربية، عن رفض وإدانة الدول الأعضاء في الجامعة العربية للقرار الأمريكي الصادر بتاريخ 25 مارس 2019، باعتباره قرارا باطلا لأنه يتنافى مع مقتضيات الشرعية الدولية ويعد انتهاكا صريحا لمبادئ ميثاق الأمم المتحدة ولقرارات مجلس الأمن بخصوص ذلك، وعلى رأسها القرار رقم 242/1967 والذي ينص صراحة على عدم جواز الاستيلاء على أراضي الغير بالقوة، والقرار497/1981 الذي يؤكد الوضع القانوني للجولان باعتبارها أرضا سورية محتلة، ورفض أي قرار لسلطة الاحتلال الإسرائيلي بضمها لأن الأمر يعد باطلا ولاغيا ولا أثر قانوني له على المستوى الدولي.
كما شدد البيان على أن شرعنة الاحتلال بهذا القرار يعد انتكاسة خطيرة في الموقف الأمريكي الذي سيشكل عاملا لتأجيج التوتر في المنطقة، وعثرة أمام جهود تحقيق سلام شامل ودائم وعادل في منطقة الشرق الأوسط[2].

3- ملفات الأزمات العربية (ليبيا-سوريا-اليمن)

فيما يخص الوضع في ليبيا فقد شددت القمة على أهمية دعم المؤسسات الشرعية الليبية، وتأييد الحوار الرباعي الذي استضافته جامعة الدول العربية بمشاركة الاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة، وكذا دعم جهود التوصل إلى تسوية سياسية تنهي الأزمة من خلال مصالحة وطنية وفق اتفاق “الصخيرات” المبرم في ديسمبر 2015. كما جدد بيان القمة على رفض الحل العسكري وكل أشكال التدخل في الشؤون الداخلية الليبية. وذلك من أجل الحفاظ على وحدة الأراضي الليبية وتماسك مختلف أنماطها الاجتماعية، مع مساندة كل الجهود للقضاء على التحديات الأمنية والمتمثلة أساسا في التهديدات الإرهابية والتي كانت سببا رئيسيا في تقويض الأمن والاستقرار في ليبيا[3].
أما فيما يخص الأزمة السورية فقد أكدت الأطراف العربية على أن الحل الوحيد والممكن للأزمة يتمثل في مواصلة سلسلة المفاوضات ودعم جهود الأمم المتحدة وذلك استنادا إلى مسار جنيف وبيانات المجموعة الدولية وقرارات مجلس الأمن، من أجل الوصول إلى تسوية سياسية تنهي الأزمة القائمة وتعيد السلم والاستقرار إلى سوريا[4].
أما الوضع في اليمن، فقد أكدت القمة والقرارات المنبثقة عنها على مساندة الجهود الإقليمية والدولية من أجل إعادة الشرعية لمكانتها، ووضع حد لمعاناة الشعب اليمني. مع الترحيب بمخرجات اتفاق استكهولم المبرم في ديسمبر 2019 بين أطراف النزاع اليمني والتأكيد على ضرورة الالتزام بتنفيذ مقتضياته، ومواصلة الجهود التفاوضية من أجل التوصل إلى تسوية سياسية، تنهي الصراع وتعيد الأمن والاستقرار لليمن[5].

4- التنسيق من أجل محاربة التطرف والإرهاب

أكدت القمة ومخرجاتها على ضرورة تطوير علاقات التعاون والتنسيق الأمني بين أعضاء جامعة الدول العربية، من أجل القضاء على جميع أشكال ومصادر التطرف والإرهاب، من خلال تفعيل الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب، واتخاذ الإجراءات والتدابير القانونية لمجابهة الفكر المتطرف. والحرص على تعزيز قيم التسامح والاعتدال والديمقراطية وحقوق الإنسان، ودعم الحوار بين الأديان باعتباره عاملا أساسيا في مواجهة الغلو والتطرف[6].

5- إدانة التدخلات الخارجية في الشؤون الداخلية العربية

أدان البيان الختامي للقمة العربية والقرارات الصادرة عنها التدخلات الخارجية خصوصا الإيرانية منها في الشؤون العربية والتي تشكل بحسبه عاملا في تغذية النزاعات الطائفية والمذهبية، مع التنديد بالدعم العسكري واللوجسيتي الذي يقدمه النظام الإيراني للحوثيين في اليمن وحزب الله في سوريا.
مع التوضيح في ذات الوقت على أن تحسين العلاقة مع الجمهورية الإيرانية رهين باحترام مبدأ حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية وعدم استخدام القوة أو التهديد بها وفقا لقواعد القانون الدولي، والامتناع عن الممارسات والأعمال التي من شأنها تقويض بناء الثقة وتهديد الأمن والاستقرار في المنطقة[7].
وفي نفس السياق، دعت إحدى بنود القرارات الصادرة عن القمة الحكومة التركية إلى سحب قواتها من الأراضي العراقية لأن ذلك يشكل انتهاكا لسيادة العراق وتدخلا في شؤونه الداخلية[8].

ثانيا: الازدواجية بين قرارات القمة والواقع العربي

من خلال استقراء البيانات والقرارات والتوصيات التي أفرزتها القمة العربية نجدها تؤكد على ازدواجية التعامل العربي مع الملفات الشائكة في المنطقة العربية وفشل جامعة الدول العربية في معالجة التحديات وإيجاد حلول ناجعة للأزمات، وكانت المحصلة كالتالي:

1- فشل جامعة الدول العربية في تسوية النزاعات العربية:

يعتبر الهدف الرئيسي لجامعة الدول العربية هو حل النزاعات بالطرق السلمية، ولكن الواقع أوضح أن هذا التنظيم الإقليمي ليست له الفاعلية حتى في حل الخلافات البينية بين أعضاءه، وما الأزمة الخليجية إلا دليل على هذا العجز، باعتبارها أخطر الأزمات التي تقوض العمل الجماعي العربي نتيجة تحكم تيار معين في القرارات الصادرة عن الجامعة في ظل غياب توافق عربي-عربي يرضي جميع الأطراف.
وفي خضم ذلك، تعتبر الأزمة اليمنية أيضا من أكبر الشواهد على فشل الجامعة في حل النزاعات بالطرق السلمية، في ظل عدم سعيها منذ بداية الأزمة إلى استغلال كل الطرق من مفاوضات ومساعي حميدة ووساطات وغيرها من الوسائل لحل النزاع بين الأطراف المتصارعة من دون أن يصل الوضع إلى التدخل العسكري. هذا التدخل الذي تنافى مع مقتضيات الشرعية، إذ أنه لم يصدر أي قرار ذو صبغة قانونية يعطي الضوء الأخضر لقوات التحالف للتحرك عسكريا في اليمن.
وقد أبان الوضع الآني في اليمن أن هذه الحرب شنت لأهداف معينة بعيدة عن الأهداف المعلنة والتي هي رد الخطر على الأمن الخليجي وإرجاع السلطة إلى يد الشرعية ومساندة الشعب اليمني. لكن كانت المحصلة في نهاية المطاف مغايرة لذلك دفع من خلالها المواطن اليمني فاتورة الحرب، التي خلفت مآسي وويلات تم تصنيفها في خانة أسوء الكوارث الإنسانية في العالم.
هذا الوضع المأساوي الذي وصل إليه اليمن تتحمل فيه جامعة الدول العربية النصيب الأكبر من المسؤولية السياسية والقانونية والأخلاقية نتيجة تأييدها لقرارات بعيدة عن الشرعية وفقا للمواثيق الدولية والإقليمية.
وفي نفس السياق، فإن فشل هذا التنظيم الإقليمي العربي لم يقف عند هذه الحدود، بل تمادت درجاته إلى حد الاستعانة بالقوى الخارجية لحل أزماته وتسوية شؤونه الداخلية، وهذا ما اتضح في الأزمة الليبية عندما سمحت الجامعة العربية لمجلس الأمن التدخل في الأزمة، فكانت النتيجة إصداره لقرار يأذن من خلاله لحلف الشمال الأطلسي بالتدخل العسكري في ليبيا، هذا التدخل الذي كانت له ومع مرور الوقت تبعات وخيمة أدخلت الوضع في ليبيا داخل مستنقع أمني خطير لم تستطع الخروج من دوامته إلى حدود الآن.

2- الفجوة العميقة بين دور جامعة الدول العربية والواقع العربي:

برزت فجوة بين دور جامعة الدول العربية والواقع العربي المضطرب نتيجة مساندة الجامعة للأنظمة دون الشعوب، ذلك ما أكده موقف الأمين العام للجامعة أحمد أبو الغيط من الثورات العربية الذي اعتبرها سببا في الدمار وانتشار الإرهاب في المنطقة العربية، هذا الموقف الذي يوضح بجلاء انزياح الجامعة عن أهدافها الحقيقية والتي كانت تضع الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان من أوليات اهتماماتها والموسومة في ميثاقها الأساسي. وموقف الجامعة هذا من الحراك في المنطقة العربية ما هو إلا دليل على أنها أداة لشرعنة الاستبداد وليس أداة لشرعية الحقوق.

3- التناقض الواضح بشأن الموقف العربي من القضية الفلسطينية:

نظريا أكدت قرارت قمة تونس كما سبقها من قمم على أن القضية الفلسطينية تمثل مركز القضايا العربية وأن السبيل لحلها لن يتحقق إلا من خلال تكثيف الجهود العربية من أجل الدفاع عن مشروعية الحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني التي هي امتداد للحقوق العربية. لكن الواقع يظهر خلاف ذلك بحيث أبان وبشكل لا يدع مجالا للشك أن القضية الفلسطينية لم تعد في محور اهتمامات جامعة الدول العربية والمعسكر المسيطر على دواليبها، بحيث أصبحت فقط ورقة مساومة ومقايضة من طرف ذلك المعسكر للتضحية بها من أجل ضمان غطاء الحماية الأمريكية من أي أزمة ممكن أن تعصف به.
ومسلسل تقويض القضية الفلسطينية بأيدي عربية لم يقف عند هذه الحلقة، فقد تواصل إلى حد دعم الخطة الأمريكية المسماة ب”صفقة القرن” والتي ما هي إلا مقاس مفصل وفق تطلعات نتنياهو وطموحاته السياسية في مقابل هضم الحقوق الفلسطينية وأبرزها حق العودة. وقد ساهم هذا الدعم المتلاحق في تصاعد وتيرة التطبيع العلني بين بعض الأنظمة العربية وإسرائيل كسياسة انعكاس لصفقة القرن وذلك بهدف الإسراع في تطبيق مضامينها والتي بدأت فعليا باعتراف الإدارة الأمريكية بالقدس عاصمة لإسرائيل ومن تم نقل سفارتها إليها، وصولا إلى الاعتراف الأمريكي بالسيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان المحتل….

4- قضية الجولان والاعتراف الأمريكي بسيادتها لإسرائيل:

يشكل الاعتراف الأمريكي بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان المحتلة، استمرارية للمخطط الإسرائيلي في المنطقة والمنفذ من طرف الإدارة الأمريكية وبمساعدة وتأييد من بعض دول المنطقة، كما أنه يعتبر رد فعل طبيعي للموقف العربي الذي يخدم فقط المصالح الضيقة للأنظمة على حساب الاعتبارات التاريخية المتمثلة أساسا في حق استرجاع الأراضي العربية المحتلة.
أما القرار الصادر عن القمة العربية الذي أدان الخطوة الأمريكية ما هو إلا بروتوكول وعرف اعتيادي يدخل في دائرة القاموس الرسمي للقمم العربية من أجل التنصل من المسؤوليات والواجبات.

5- إشكالية التدخل في الشؤون الداخلية العربية:

يعتبر مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية وصيانة استقلال وسيادة الدول العربية من المبادئ الذي نص عليها ميثاق الجامعة، وهو ما جاء أيضا في سياق الكلمات التي ألقاها بعض القادة والمسؤولين العرب في قمة تونس، وعلى رأسها كلمتي العاهل السعودي والأمين العام لجامعة الدول العربية اللذان أكدا على عدم جواز تدخل بعض القوى الإقليمية وعلى رأسها إيران وتركيا في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء، وهذا ما يظهر ازدواجية ما بين القول والفعل، بحيث أن نفس الدول التي تشتكي من التدخلات الخارجية لا تحترم هذا المبدأ. والشاهد على ذلك الأزمة بين قطر ودول الرباعية بحيث اشترطت الأخيرة على قطر خفض تمثيلها الدبلوماسي مع إيران ووقف تعاونها العسكري مع تركيا لحل الأزمة وفك الحصار عنها، وهذا ما يعد في منطوق القانون الدولي انتهاكا صارخا لمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية لأن إقامة العلاقات وتطويرها أو إنهائها هو قرار سيادي بيد الدولة المعنية دون غيرها.
أضف إلى ذلك، تدخل تلك الدول أيضا في العديد من القضايا الداخلية العربية خصوصا الدول التي تعتريها أزمات داخلية وذلك عن طريق مساعدة قوى داخلية مسلحة، وهذا ما بدا واضحا في الحالة الليبية من خلال تقديم أنظمة كل من الإمارات والسعودية ومصر الدعم العسكري والتمويلي لقوات خليفة حفتر التي ارتكبت وبحسب العديد من تقارير المنظمات الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة جرائم ضد الإنسانية في حق المدنيين الليبيين، وهذا ما دفع بالمحكمة الجنائية الدولية إلى إصدار مذكرة اعتقال ضد محمود الورفلي قائد الوحدات الخاصة لقوات خليفة حفتر على خلفية ارتكابه جرائم قتل وإعدامات جماعية في حق المدنيين. وقد ساهم التدخل الثلاثي لهذه القوى الإقليمية العربية في إحداث فوضى أمنية وتشرذم في العملية السياسية.
ولم تكن الحالة الليبية الحالة الوحيدة التي عرفت تدخلا لهذه القوى، فقد شهدت الأزمة اليمنية أيضا تدخلا عسكريا من طرف قوات التحالف بقيادة السعودية والإمارات منتهكة بذلك هذا المبدأ على الرغم من التذرع بمبدأ حق الدفاع الشرعي في بداية التدخل، وهو ما تنافى مع الحالة اليمنية من خلال تحويل الهدف المعلن من التدخل لمساعدة الشرعية والحد من الخطر والنفوذ الحوثي ودرء التهديدات الأمنية إلى انتهاك صارخ للسيادة اليمنية عن طريق تموضع هذه القوات وبمعية تنظيمات مسلحة تنطوي تحت لوائها في العديد من المواقع في عمق الداخل اليمني بل وسيطرتها على مواقع استراتيجية تعتبر شريانا رئيسيا لليمنيين، ناهيك عن الضربات الجوية العشوائية لهذه القوات على مناطق آهلة بالمدنيين.
ومن كل ذلك، فقد أصبحت هذه القوى الإقليمية تتدخل في العديد من الشؤون الداخلية للدول العربية، وذلك لاستكمال مشروع الثورة المضادة من أجل إحكام السيطرة على النظام الإقليمي العربي.

6- عدم حيادية الأمين العام لجامعة الدول العربية:

للأمين العام أدوار ومهام ومسؤوليات متنوعة ومتعددة من أهمها تقريب وجهات النظر والآراء بين الأطراف العربية وبالأخص التي توجد بينها خلافات بينية مع بقاءه في موقع الحياد الإيجابي بين جميع الأطراف، وأن يتعامل مع جميع الدول بما يخدم العمل العربي المشترك، لكن واقع الأمر، كشف النقاب عن طبيعة عمل الأمين العام أحمد أبو الغيط الحقيقي والذي يتنافى مع دوره الطبيعي، وقد قدمت قمة تونس دليلا على عدم حيادية الرجل الأول في الجامعة وهذا ما برز في معرض كلمته التي وجه فيها شكره وتقديره لجهود السعودية في التعامل مع الأزمات التي شهدتها المنطقة العربية، وفي نفس الوقت انتقاده الغير مباشر لقطر عبر إدانة ما سماه التدخلات التركية-الإيرانية في الشؤون العربية، وذلك على خلفية تمتع قطر بعلاقات جيدة لها أبعاد استراتيجية مع الجانبين التركي والإيراني.
فالعمومية والتجريد في مواقف الأمين العام لا يجب أن تشمل بعض القضايا التي لا يوجد فيها توافق عربي واضح، إذ أنه في نفس الوقت التي تشتكي فيه دول عربية مما تسميه تدخلات تركية وإيرانية هناك دول تنعم بعلاقات جيدة وقوية مع نفس الأطراف.

خلاصة:

لقد كشفت القمة العربية بتونس عن عمق التحديات العربية والتي تمثلت في عجز الجامعة العربية في أداء الدور الفاعل والمطلوب منها في معالجة المعوقات التي تعرقل العمل العربي المشترك. كما أخفقت في الوصول إلى حلول ناجعة لإنهاء بعض الأزمات العربية، نتيجة غياب الإرادة السياسية على خلفية الصراعات البينية العربية وتدخل بعض القوى العربية في الشؤون الداخلية وبمساعدة من أطراف دولية أدت في الأخير إلى تقويض الأهداف التي انبثق على أساسها العمل العربي المشترك.
من كل ما سبق، لم نلمس مع تعاقب انعقاد القمم العربية دور فعلي لآلية العمل من أجل إنهاء الأزمات العربية، وذلك راجع إلى ضعف القرارات الصادرة عن هذه القمم نتيجة تغليب المصالح القطرية على حساب حل الأزمات الإقليمية التي كان لها تأثير كبير في تهاوي وضعف النظام الإقليمي العربي[9].

الهامش
[1]– للاطلاع على بيانات وقرارات قمة تونس بخصوص القضية الفلسطينية أنظر في ذلك: بيان قمة تونس الصادر عن اجتماع مجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة، الدورة الثلاثين، تونس في 31 آذار/مارس 2019، ص: 4. وللمزيد من التفاصيل أنظر: التقرير المفصل لقرارات القمة العربية، الدورة الثلاثين، تونس، الصادر 31 آذار/مارس 2019، القرارين: 746-747،  ص: 7-19.
[2]– للمزيد من التفاصيل حول الموضوع أنظر: البيان الصادر عن القمة العربية في دورتها الثلاثين بتونس بشأن رفض الاعتراف الأمريكي بسيادة إسرائيل على الجولان العربي المحتل السوري المحتل، متوفر في التقرير المفصل لقرارات القمة العربية، في 31 آذار/مارس 2019، ص: 37-38.
[3]– للاطلاع على بيانات وقرارات قمة تونس بخصوص الأزمة الليبية أنظر في ذلك:  بيان قمة تونس الصادر عن اجتماع مجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة، مرجع سابق، ص: 4. وللمزيد من التفاصيل أنظر: التقرير المفصل لقرارات القمة العربية، الدورة الثلاثين، القرار رقم 753،  تونس في 31 آذار/مارس 2019، ص: 51-54.
[4]– للاطلاع على بيانات وقرارات قمة تونس بخصوص الأزمة السورية أنظر في ذلك:  بيان قمة تونس الصادر عن اجتماع مجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة، مرجع سابق، ص: 4-5. وللمزيد من التفاصيل أنظر: التقرير المفصل لقرارات القمة العربية، القرار رقم 752، تونس في 31 آذار/مارس 2019، ص: 45-50.
[5]– للاطلاع على بيانات وقرارات قمة تونس بخصوص الأزمة اليمنية أنظر في ذلك: بيان قمة تونس الصادر عن اجتماع مجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة، مرجع سابق، ص: 5-6. وللمزيد من التفاصيل أنظر: التقرير المفصل لقرارات القمة العربية، القرار رقم 754،  تونس في 31 آذار/مارس 2019، ص: 55-57.
[6] – للاطلاع على مضامين وقرارات قمة تونس بخصوص التنسيق العربي من أجل مكافحة الإرهاب والتطرف أنظر في ذلك: بيان قمة تونس الصادر عن اجتماع مجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة، مرجع سابق، ص: 6. وللمزيد من التفاصيل أنظر: التقرير المفصل لقرارات القمة العربية، القرارين رقم 762-763، ص: 77-80.
[7]– للاطلاع على مضامين وقرارات قمة تونس بخصوص التدخلات الإيرانية في الشؤون الداخلية للدول العربية أنظر في ذلك:  بيان قمة تونس الصادر عن اجتماع مجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة، مرجع سابق، ص: 5-6. وللمزيد من التفاصيل أنظر: التقرير المفصل لقرارات القمة العربية، القرار رقم 758، ص: 68-71.
[8]– أنظر بنود القرار المعنون ب “اتخاذ موقف عربي موحد إزاء انتهاك القوات التركية للسيادة العراقية”، رقم 759، ص: 72-73.
[9] الآراء الواردة تعبر عن أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن المعهد المصري للدراسات.
                                       لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.