الغاز الصخري الجزائري ومشكلة التلوث البيئي



إن الثروات البترولية و مواد الخام تعد أهم مكسب وطني يعود علي خزينة الدولة بعوائد مالية هامة تحقق لها الإستقرار الإقتصادي و الإجتماعي و الإزدهار بين الشعوب و الأمم. إذ في هذا الإطار تمثل الثروة الجزائرية من المواد الخام نعمة من عند الله حيث صرح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في ذكري تأميم المحروقات أن هذه الثروات هي “هبة من عند الله”.
الجزائر تعد اليوم رابع مصدر للغاز الطبيعي عالميا و تحتوي علي مخزون هام من النفط الخام. كذلك تشكل هذه الثروات العمود الفقري للإقتصاد الجزائري بحيث ترتكز إستراتيجيات التنمية الإقتصادية الجزائرية علي توظيف عوائد المحروقات في إنجاز مشاريع ضخمة تهم البنية التحتية أو تطوير المنظومة الإقتصادية. إن النهج اللامركزي الإقتصادي حقق لهذا الإقتصاد الصاعد قفزة نوعية في مجال الإستثمار و تطوير الصناعة المحلية منها شركات صنع السيارات و الإلكترونيات مثل التلفاز و الهاتف الجوال و غيرها و تقوية القدرة التنافسية علي الصعيد المحلي و العالمي. بالتالي أصبحت الجزائر دولة صناعية تتوفر فيها كل الإمكانيات لتصبح مثل كوريا الجنوبية.
كما أن تدخل الدولة في شتي القطاعات الحيوية وذلك بالدعم المالي حقق التوازن للقطاع الخاص الذي يعتبر في مجمله هشا في الجزائر و أيضا في أغلب الدول العربية. إذ يشغل القطاع العام حاليا في الجزائر قرابة مليون موظف حكومي و هذا يعتبر رقم قياسيا مقارنة مع بعض دول شمال إفريقيا. أما بالعودة لمصادر الطاقة يمثل الغاز الطبيعي المزود الرسمي للمالية العمومية و لصندوق الدعم الحكومي. بالتالي يتم توزيع هذه الثروات علي مختلف القطاعات الحكومية و التي تعود مباشرة علي المواطن الجزائري بالمنفعة من خلال الرفع في الدخل الفردي الخام و تقليص البطالة و الزيادة في الأجور التي تحقق الرفاهية الإجتماعية للشعب الجزائري.
أما مؤخرا فقد اكتشفت الجزائر حقول كبيرة للغاز الصخري خاصة بمدينة عين صالح و هذه الثروة الإضافية في قطاع المحروقات تعد أيضا مكسب وطني جزائري. إذ تحتل الجزائر في هذا المجال المرتبة الثانية عالميا في الإحتياطي للغاز الصخري بعد الولايات المتحدة الأمريكية. و للتعريف بالغاز الصخري هو عبارة عن غاز متجمد في حجر أسود باطني يتم استخراجه عبر التنقيب و يشابه كثيرا الغاز الطبيعي لكن تكلفة استخراجه تعد باهظة جدا مع خطورة تسببه في أضرار مباشرة علي البيئة و البشر.
إذ تعد الولايات المتحدة الأمريكية من أبرز المنتجين لهذه الطاقة عالميا و هي تعتبر الرائدة في هذا المشروع العالمي و التي قطعت فيه أشواطا طويلة لإستخراج هذا الخام و الذي يعتبر الذهب الأسود من الحجر الأسود خاصة بولاية داكوتا. أما الجزائر تبقي لها مدينة عين صالح المكسب الوطني ليحولها لثاني منتج لهذه النوعية من الغاز علي الصعيد العالمي. لكن تكمن المشكلة الأساسية في الأضرار التي يمكن أن يخلفها هذا التنقيب علي سكان مدينة عين صالح مما يتسبب لهم بأمراض خطيرة و مزمنة و مهما كانت التعويضات فهي لا تعود بالفائدة عليهم. أما عملية إستخراج هذا الغاز الصخري فقد يتسبب في تلويث المياه الجوفية و بالتالي تسمم التربة و حدوث الإنجراف و تضرر الزراعات و الخضروات و تصبح المياه بمدينة عين صالح غير صالحة للإستهلاك و يمتدد خطر التضرر البيئي و البشري إلي المدن المجاورة و حتي إلي سكان العاصمة الجزائر.
في هذا الصدد تراكمت المشاكل حول هذا المشروع مع إصرار رئيس الحكومة عبد المالك سلال بإبرام الصفقات مع الشريك الأوروبي الدائم و هي فرنسا في تنفيذ هذا المشروع و تحقيق أكبر كمية إنتاج من هذا الغاز في موفي سنة 2020 و توجيهها نحو أوروبا المستهلك البارز عالميا لمادة الغاز. نظرا لأهمية هذا المشروع الحيوي في مجال الطاقة تتمسك الحكومة في المضي قدما في التنفيذ في المقابل تتصاعد إحتجاجات سكان مدينة عين صالح و بعض المدن المجاورة المطالبة بتوقيف تنفيذ هذا المشروع نظرا للمخاطر الصحية و البيئية علي سكان الجنوب الجزائري.
إن التلوث البيئي الذي يخلفه التنقيب عن الغاز الصخري الجزائري له مخاطر عديدة منها التسمم في التربة و في الزراعات الإستهلاكية, بالإضافة إلي تلويث المصدر الرئيسي للحياة و هي المياه. أيضا تعتبر عملية إستخراج هذه الطاقة نقمة لسكان تلك المنطقة و للإقتصاد الجزائري بإعتباره يعد مكلف جدا خاصة من ناحية تكاليف التنقيب و التحويل و التكرير ثم التخزين و التصدير. بالتالي يعد فارق الربح ضئيل جدا مقارنة مع إستخراج الغاز الطبيعي. إن الجزائر غير محتاجة حاليا لتنفيذ هذا المشروع عمليا وذلك علي حساب الصحة البشرية للجزائريين و علي حساب البيئة. إذ يمكن لها أن تنوع من مصادر الطاقات المتجددة مثل طاقة الرياح و الطاقة الشمسية خاصة و أن الجزائر تملك أراضي صحراوية شاسعة و تتوفر لها إمكانيات ضخمة لإنتاج مثل هذه الطاقة و تحويلها للتصدير و التي تعد في مجملها أقل تكلفة من التنقيب عن الغاز الصخري و هي تعتبر في الجانب المقابل صديقة للبيئة و لا تخلف أضرار جسيمة علي التربة أو المياه أو السكان. أيضا يعتبر الإقتصاد الأخضر البديل للإقتصاديات التي تهتم فقط بإنتاج الطاقة الطبيعية فمثلا تعتبر نبتة الجاتروفا أهم نبتة صحراوية التي تنتج البيوديزال بكميات ضخمة و المعروفة بالبترول الأخضر, و يمكن أيضا تحويل الزيوت الغذائية المستعملة إلي طاقة و تعتبر فرنسا الرائدة في مثل هذه النوعية من المشاريع. عموما يبقي إنتاج الغاز الطبيعي هو المكسب الوطني الجزائري الأساسي بأقل خسائر و أضرار ممكنة و أقل تكاليف للإستخراج مع مردودية و نجاعة عالية و أرباح محترمة مقارنة مع الغاز الصخري الذي يعتبر مكلف جدا من خلال التنقيب عليه و إستخراجه و تكريره بالإضافة لذلك له أضرار جسيمة علي التربة و المياه الجوفية و علي سكان مدينة عين صالح الجزائرية.

بقلم فؤاد الصباغ باحث اقتصادي دولي
تعليقات