الراديكالية مأساة للأمن المجتمعي: مراجعة التاريخ الإستراتيجي الجزائري




الراديكالية مأساة للأمن المجتمعي: مراجعة التاريخ الإستراتيجي الجزائري
عامر مصباح
جامعة الجزائر 3

يتم قراءة وتذكر التاريخ من أجل الاتعاظ وتفادي الأخطاء المميتة التي أنتجت الكثير من الضحايا وفي حالات أخرى دمّرت شعوبا بكاملها.
من الأشياء المؤلمة في فترة التسعينيات المظلمة، تبني الجبهة الإسلامية للإنقاذ النزعة الراديكالية (كيف يحاور الفيل النملة) في العمل السياسي مستندة على زخم التأييد الشعبي الناقم على فترة حكم الحزب الواحد والمتأثر بالأزمة الاقتصادية التي نتجت عن انهيار أسعار النفط عام 1986. لقد تم تلخيص النزعة الراديكالية آنذاك في شعار “مسمار جحا لازم يتنحى” وكانوا يقصدون بذلك الرئيس الشادلي بن جديد رحمه الله. أنتجت بدورها الراديكالية حالة الاستقطاب المجتمعي (الجبهات الثلاث) والانسداد السياسي في البلاد، لم يتم حلها إلا بانقلاب عسكري في بداية يناير 1992 تحت ذريعة أن البلاد تنهار ولابد من المحافظة على الأمن.
أولى ضحايا الراديكالية هو الأمن المجتمعي للجزائر العميقة، وهو الحاجة الأولية التي لا يستطيع أن يستغني عنها أي أحد، لقد تفاقمت حدة انهيار الأمن المجتمعي إلى درجة كنّا نتمنى أن نموت بوسيلة قتل دون غيرها (بالرصاص وليس السكين).
لقد كانت الجزائر العميقة تعاني من تهديد سجون الاستئضاليين من جهة (1993-1995) وسكاكين الإرهابيين من جهة ثانية.
خلال عملية انهيار الأمن المجتمعي، كان السيد عبد الحميد مهري كرئيس لجبهة التحرير الوطني يردد دائما “يجب وقف القتال بين الجزائريين”، ولابد من عودة الحوار بين الجزائريين، لكن في حمأة الصراع الدامي كانت الراديكالية هي السيدة من قبل كلا الطرفين.
ظهرت خلال تلك الفترة بقوة المطالب الجهوية بقوة بسبب انهيار الأمن المجتمعي وضعف الدولة المنهمكة في الحرب على الإرهاب، بالإضافة إلى أن جذور الفساد الذي تعاني منه البلاد اليوم قد زرعت وترعرت خلال تلك الحقبة (أكبر عملية نهب للعقار المملوك للدولة تمت في تلك الفترة بالإضافة إلى الانتشار غير المسبوق للمخدرات)
ماذا يعني هذا؟ الراديكالية في المواقف، ورفض الحوار والاتصال مع الآخر كلها سلوكيات سوف تؤدي إلى انهيار المكاسب الأولية المحققة من العشرية السوداء. المتخصصون في دراسات الاتصال أكدوا أن الثقة والريبة والمخاوف يمكن معالجتها بواسطة الاتصال والحوار والنقاش وقبول الآخر دون شروط مسبقة.
يمكن للحراك الشعبي أن يستمر ويحاور في نفس الوقت، من أجل تقدم الأزمة إلى الأمام، قبل أن لا يتاح لأحد أن يطرح رأيه كما يريد أو يحدث التغيير الذي يريد.
في كل الأحوال، لابد للجزائريين أن يتحاوروا وليس لهم إلا ذلك، دون أن يطالبوا بوقف الحراك؛ ولابد أن نجد حلا بالحوار وليس بشيء آخر، حتى لا تضيع المكاسب المحققة؛ ويجب ألا نخاف من الحوار مع أي أحد حتى ولو كان شيطانا.
تعليقات