حروب الجيل الخامس أساليب “التفجير من الداخل” على الساحة الدولية

www.elsiyasa-online.com
حروب الجيل الخامس أساليب “التفجير من الداخل” على الساحة الدولية

د. شادي عبد الوهاب منصور

لــم تعــد الحــرب قي الوقــت الراهــن مجــرد حــرب تقليديــة واضحــة المعالــم و الأدوات، وإنمــا باتــت خليطًــا مــن توظيــف كافــة الأدوات المتاحــة، التقليديــة وغيــر التقليديــة، في ظــل تحــوّل تكنولوجــي هائــل يغيــر كثيــرًا مــن المفاهيــم الســائدة عــن الحــرب والصــراع والــردع، بحيــث أضحــى الملمــح والهــدف الجوهــري هــو التفجيــر مــن الداخــل باعتبــاره الوســيلة الأمثل لهزيمــة الخصــوم.

وقــد بــرز اهتمــام نظــري كبيــر مــن جانــب عــدد كبيــر مــن المحلليــن العســكريين و الإستراتيجيين لفهــم ورصــد واستشــراف التحولات التــي طــرأت علــى أشــكال الحــروب، وهــو مــا انعكــس على تطويــر عــدد مــن المفاهيــم والمصطلحــات، التــي ســعت لفهــم التحولات الحادثــة في الحــروب، واستشــراف مســتقبلها. ومــن أهــم هــذه المفاهيــم حــروب الجيــل الخامــس Fifth Generation Warfar، والحــروب الهجينــة Hybrid Warfare، والمناطــق الرماديــة Grey Zones، والحــروب غيــر المقيــدة Unrestricted Warfare وحــروب القــرن الواحــد والعشــرين والحــروب الجديــدة وغيرهــا الكثيــر.

وتتفــق كل هــذه المفاهيــم علــى تراجــع القــدرة علــى التمييــز بيــن ثنائيــة الحــرب و السلم، أو الحروب التقليدية وغير التقليدية، أو الحروب النظامية وغير النظامية، أو الــدول والفواعــل المســلحة مــن دون الــدول. ولعــل هــذا مــا عبّــر عنــه وزيــر الدفــاع األمريكــي الأسبق، روبــرت جيتــس، حينمــا أكــد علــى أن تصنيفــات الحــروب أصبحــت غيــر واضحــة، ولــم تعــد تناســب التقســيمات المتعــارف عليهــا، ويســتطيع المــرء أن يتنبــأ بالتوســع في توظيــف أدوات وتكتيــكات الحــرب، مــن المعقــد إلى البســيط، بصــورة متزامنــة في الأشكال الهجينــة و الأكثر تعقيــدًا مــن الحــروب.”

ويعتبــر القاســم المشــترك بيــن هــذه المفاهيــم هــو الإيمان بأنــه علــى الرغــم مــن تراجــع إمكانيــة نشــوب حــرب بيــن القــوى الكبــرى في الفتــرة التاليــة علــى الحــرب البــاردة بيــن الولايات المتحــدة و الإتحاد الســوفييتي، فــإن هنــاك أنواعًــا جديــدة مــن الحــروب، خاصــة مــع تصاعــد الصراعــات الإقليمية، وتــورط القــوى الدوليــة فيهــا، لاسيما الولايات المتحــدة والصيــن وروســيا.




ومــن أحــد العوامــل الدافعــة لهــذه المحاولات الراميــة إلى فهــم التغيــر في أشــكال الحــروب، الصراعــات التــي شــهدتها كل مــن أفغانســتان والعــراق في أعقــاب الإحتلال الأمريكي لهمــا بين عامــي 2001 و2003 علــى التوالي ، فضلا عــن الحــرب مــا بيــن إسرائيل وحزب الله اللبناني في عام 2006، والتي شهدت نجاح الفواعل المسلحة مــن دون الــدول في اســتهداف وتحــدي قــوى عســكرية متقدمــة علــى الرغــم مــن الفجــوة التكنولوجيــة والعســكرية الواســعة بيــن الطرفيــن.

ومثلــت الصراعــات والحــروب الأهلية التــي شــهدتها المنطقــة العربيــة في أعقــاب الثــورات العربيــة أحــد العوامــل التــي دفعــت إلى دراســة تطــور أشــكال الحــروب؛ فقــد شــهدت هــذه الــدول اضطرابــات داخليــة عصفــت باســتقرارها، وأدخلــت بعضهــا في حــروب داخليــة وصراعــات ممتــدة، تــورط فيهــا طيــف واســع مــن الفاعليــن، ســواء مــن القــوى الإقليمية أو الدوليــة ذات المصلحــة، أو الفواعــل المســلحة مــن دون الــدول؛ الأمر الــذي زاد مــن درجــة تعقيــد هــذه الحــروب، بالنظــر إلى تعــدد الفاعليــن وتضــارب مصالحهــم، بالإضافة إلى انعكاســات الإضطرابات الداخليــة لهــذه الــدول علــى جوارهــا المباشــر، والــذي تأثــر ســلبًا بتدفــق للاجئين أو ســعي التنظيمــات الإرهابية لإستثمار هــذه الفوضــى للتمــدد في دول أخــرى.

ولعــل الملمــح أو القاســم المشــترك بيــن هــذه الصراعــات هــو أنهــا أصابــت مجتمعــات تبــدو قبــل اندالعهــا، تتمتــع بدرجــة مــن الإستقرار النســبي، بطريقــة تجعــل مــن غيــر المتصــور أن تنفجــر هــذه المجتمعــات بصــورة مفاجئــة يف وجــه حكوماتهــا، وتعمــل علــى إســقاطها، بصــورة تفاوتــت بيــن الإخفاق-كمــا في الحالــة الســورية - والنجــاح التــام - كمــا في الحالــة الليبيــة - وإن ظــل القاســم المشــترك بيــن الحالتيــن هــو اســتمرار الإضطراب الداخلــي، خاصــة في الحالــة الليبيــة، والتــي انقســمت بيــن حكومتيــن في الشــرق والغــرب، بالإضافة إلى عــدد لا نهائي مــن الميليشــيات المســلحة والتنظيمــات الإرهابية وجماعــات الجريمــة المنظمــة، التــي بســطت ســيطرتها بحكــم الأمر الواقــع علــى مســاحات مــن أراضــي الدولــة.

ولــم يقتصــر الإهتمام علــى رصــد تطــور أشــكال الحــروب علــى المحلليــن العســكريين الغربييــن، بــل امتــد إلى نظرائهــم في روســيا، خاصــة مــع نظــر العديــد مــن المسؤولين السياسيين والعسكريين الروس إلى الثورات الملونة التي اندلعت في شــرق أوروبــا بــدءًا مــن العقــد الأول مــن القــرن الواحــد والعشــرين باعتبارهــا امتــدادًا ألنمــاط جديــدة مــن الحــروب تســتهدف المجتمعــات، وتعمــل علــى تقويضهــا، خاصــة الثــورة الورديــة في جورجيــا في عــام 2003، والثــورة البرتقاليــة في أوكرانيــا في عــام 2004، ثــم ثــورات الربيــع العــريب بــدءاً مــن أواخــر عــام .2010

و في المقابــل، دفــع التــورط العســكري الروســي في الأزمة الأوكرانية في عــام 2014، عبــر دعمهــا الإنفصاليين في شــرق البلاد، وضمهــا لشــبه جزيــرة القــرم، إلى اتهــام روســيا مــن قبــل المنظريــن الغربييــن باســتخدام أســاليب الحــروب الهجينــة.

وقــد ســاعدت كل هــذه الحــروب والصراعــات الداخليــة و الإقليمية إلى تطــور الأدب النظــري حــول شــكل الحــروب الحاليــة ومســتقبلها. وفي هــذا الإطار يســعى هــذا الكتــاب إلى توظيــف أجيــال الحــروب مــن الأول إلى الخامــس باعتبــاره تصنيفــاً مفيــداً لتاريــخ الحــروب، ويســاعد علــى فهــم ماضيهــا، وعوامــل تطورهــا، في محاولــة لفهــم أشــكال الصراعــات التــي تشــهدها المنطقــة العربيــة والعالــم في الوقت الراهن؛ وذلــك مــع الأخذ في الإعتبار أن الأدب النظــري حــول حــروب الجيــل الخامــس هــو حديــث نســبيًا، بحيــث يمكــن القــول إن إرهاصــات هــذا الجيــل الخامــس قــد بــدأت في الممارســة والتشــكل خــاال العقــد الأخير علــى وجــه خــاص، وأن هنــاك جهــوداً أكاديميــة ونظريــة مســتمرة تصبــو إلى تقديــم نظريــة متكاملــة حــول هــذا الجيــل الجديــد مــن الحــروب، والــذي يحمــل شــعاراً أساســياً هــو التفجيــر مــن الداخــل.”


تعليقات